فضّل الله -تعالى- شهر رمضان على سائر الشهور، فرمضان شهر القرب من الرحمن، والعتق من النيران، وفيه نزل القرآن الكريم على نبي الرحمة محمّدٍ صلّى الله عليه وسلّم، كما وصفه الله تعالى بقوله: (أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ)، فرمضان ضيفٌ عزيزٌ تمضي أيامه مُسرعةً، والفائز من أحسن استقباله، فقد كان النبي -صلّى الله عليه وسلّم- يستبشر ويُهنئ أصحابه لقدومه، ففيه تُفتح أبواب الجنة وتُغلق أبواب جهنم وتُصفّد الشياطين، وقضى الله -تعالى- أن يضم هذا الشهر بين لياله المباركة ليلة القدر، وهي خير الليالي على الإطلاق؛ لأنّ فيها عتقٌ من النيران، ويتفاوت الناس في استعدادهم لهذا الشهر الفضيل، فمنهم من لا يُبالي أدخل الشهر أم لا، ويمضي الشهر كسائر أيامه، فلا يكترث للصلاة والتوبة، فيعدّ مُفرطٌ وخاسرٌ ولا يجني من تقصيره إلّا الندم، ومن الناس من يتهلّل لقدوم الشهر، فيُقبل على الطاعات بشوقٍ كبيرٍ، ويُعدّ نفسه للتعرّض لنفحاته وبركاته بنيةٍ صادقةٍ وقلبٍ سليمٍ لا يُخالطه الحقد والحسد، مع استشعار أنّ هذا الشهر هبة الله -تعالى- المستوجبة للشكر من عباده، فالله -تعالى- غنيٌ عن عباده، وهم الفقراء إليه العاكفين على أعتابه لنيل رحمته.
للصيام العديد من الفوائد التي تتعلّق بالجانب الروحي والاجتماعي والصحي، أمّا على الصعيد الروحي؛ فالصوم يُعين على الصبر، ويرفع إرادة الإنسان عند امتناعه عن الطعام والشراب في نهار رمضان؛ لأنّ الإكثار من الشهوات يحول بين العبد وبين ذكر الله تعالى، ممّا يؤدي به إلى الغفلة، وتظهر الفوائد الاجتماعية في انتشار روح الرحمة بين المسلمين، فيستشعر الغني نعم الله عليه، ويتذكّر من مُنعوا عن الطعام والشراب لفقرهم وقلّة حيلتهم، فيبادر إلى شكر الله -تعالى- على نعمه ومساعدة الفقراء والمُحتاجين، كما أثبت العلم أنّ الصيام يعمل على تطهير الأمعاء، وتنظيف الجسم من الفضلات ويُخلّص الجسم من الشحوم.
رمضان شهرٌ تطيب فيه القلوب، ومع أول ليلةٍ من لياليه تعمّ السكينة في كلّ مكانٍ، يقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: (إذا كانَ أوَّلُ ليلةٍ من شَهْرِ رمضانَ: صُفِّدَتِ الشَّياطينُ ومرَدةُ الجنِّ، وغُلِّقَت أبوابُ النَّارِ فلم يُفتَحْ منها بابٌ، وفُتِّحَت أبوابُ الجنَّةِ فلم يُغلَقْ منها بابٌ، ويُنادي مُنادٍ يا باغيَ الخيرِ أقبِلْ، ويا باغيَ الشَّرِّ أقصِرْ وللَّهِ عُتقاءُ منَ النَّارِ، وذلكَ كلُّ لَيلةٍ)،وفي هذا النداء فرصةٌ للتائبين الطامعين برضا الله -تعالى- والتلذّذ بمناجاته، فقد كان ابن عمر -رضي الله عنهما- إذا دخل شهر الصيام أقبل على مسجد رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- فلا يزال قائماً فيه يُصلي حتى يطلع الفجر، كما كان لا يُفطر إلّا مع اليتامى والمساكين، وكان للسلف الصالح في شهر رمضان عنايةٌ كبيرةٌ بالقرآن الكريم، فيُقبلون عليه تلاوةً وتدبراً وحفظاً، فهذا مالك بن أنس -رضي الله عنه- كان كثير الذهاب إلى مجالس العلم، فإذا دخل رمضان فرّ من مجالس العلم إلى كتاب الله، ومن الأعمال الصالحة التي يجدر بالمسلمين الحرص عليها في شهر رمضان:
موسوعة موضوع