أنا لا أنظر في هذي الأمور

الكاتب: المدير -
أنا لا أنظر في هذي الأمور
"أنا لا أنظر في هذي الأمور




ملكُ الغربانِ هذه قصيدةٌ من شعر أمير الشعراء أحمد شوقي للناشئة - التي ربما أغلبنا على اطلاعٍ بها - تحكي عن الخادم الأمين ندور الذي رأى سوسة تأكل جذع النخلة، فأشار للملك بالقضاء عليها.

فاستهزأ الملكُ، واحتقر الأمرَ، ورأى أن هذه الأمور من التوافه، ولا يجب أن يلتفت إليها ملكٌ.

 

مضت أعوامٌ وهبَّت ريح، فكان من السهل الإطاحة بالنخلة؛ لأن جذعَها صار ضعيفًا تالفًا، فما كان إلا أن هوت، ولما طلب الملك من الخادم ندور النجدة؛ ذكَّره بأنه لا ينظر في هذه الأمور؛ إشارة منه بأن السوسة هي السبب، فلولا ضعفُ النخلة ما خسرت معركتَها مع الريح.

هكذا حالنا نحن الآن..

 

عندما يشير أحدهم إلى مشكلة تحدُث داخل المجتمع لعلاجها، يستنكر قوله الكل، ويتهمونه بالتفاهة، منبهين إياه: أن الأمور الجليلة والعظيمة هي التي يجب أن تحوز انتباههم، لا تلك الصغيرة، متناسين أن النار من مستصغَر الشرر، وأن الأعداء لا يمكنهم التغلب علينا إلا إذا كان الداخل خاويًا هشًّا ضعيفًا.

لذا وجب على الكل التكاتف والتآزر لما يحدث والتصدي له، وأخذ الحيطة والحذر، والقضاء على تلك السوسة التي تنخر في جسد الأمة؛ للتمكن بعدها من مواجهة الأعداء بعزمٍ وقوة.

 

يتكون جسد الأمة من الأسرة؛ من أفرادها ومشكلاتهم التي يراها بعض المصلحين تافهة لا تستحق منهم أوقاتهم ليقضوها في دراستها، فضلًا عن إصلاحها، ويرون أن الأمر لا يستحق منهم العناء، فما يكون منهم إلا أن يبذلوا حياتهم ويفنوها في الأمور الكلية الكبيرة، وهذا أمرٌ طيب وجيد؛ لكن عليهم أيضًا أن يدركوا أن في الداخل، في عمق الأمة ما يستحق الإصلاح حتى وإن بدا في نظرهم تافهًا؛ فالبنيةُ الاجتماعية هي ركيزة الأمم ودعامتها؛ فإن ضعُفت، وكانت تتخبط بمشكلات جمة، صارت غيرَ قادرة على مواجهة ما ينتظرها في الخارج.

 

إن إصلاح الداخل، وتقويته، وتطهيره من الأمراض الاجتماعية كافة التي تفتك به في صمت حينًا، وعلانية أحيانًا أخرى - لهو مسؤولية كبرى.

ويكون ذلك بتشخيص الأدواء كلِّها، وتقديم العلاج المناسب الفعال، بعيدًا عن التنظير، والتكفل بالجانب العملي والتواصل مع أفراد المجتمع، ونصحهم وإرشادهم، وتوجيههم لما فيه صلاحهم.

 

والتحلي بالصبر والتواصي به، فالنفس البشرية تكره النصح والإرشاد، ولا تنقاد له إلا بعسر وطول صبر واصطبار.

ويجب أيضًا التحلي بالحِلم؛ فما أكثر ما قد يلقاه المصلح من انتقادات لاذعةٍ مثبطة تارة، وخاذلة تارة أخرى؛ لهذا حتى لا نخسر معاركَنا الخارجية؛ يجب علينا أن ننتبه لما يحدث في الداخل، وأن نولي العنايةَ اللازمة لكل داء يمكن أن يكون سببًا في إضعافنا، وهواننا؛ فإننا بحاجة لكل جهدٍ ولكل لحظة، فما أهدرناه من وقت وجهد في أمور لا طائل منها كافٍ لأن ننتبه من غفلتنا، ونعيد حساباتنا، وترتيب أولوياتنا.


"
شارك المقالة:
35 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook