إمارة الجبور بالمنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية.
الأوضاع السياسية في المنطقة 790 - 820هـ / 1388 - 1417م
أدى النـزاع بين أمراء بني عصفور في القرن الثامن الهجري (الرابع عشر الميلادي) إلى تجزئة إمارتهم وتعدد ظهور الزعامات المتناحرة داخل الأسرة الحاكمة وبالتالي زوال سلطتهم على يد سعيد بن مغامس بن سليمان بن رميثة - كما سبق - الذي لم تطل فترة حكمه، حيث سقط على يد الزعيم الأحسائي إبراهيم بن جروان المالكي، وعلى الرغم من أن بني عامر عامة وبني عصفور خاصة قد فقدوا سلطانهم ونفوذهم السياسي في بلاد البحرين، إلا أنهم احتفظوا في كلٍّ من نجد وشرق الجزيرة العربية بنفوذهم الاقتصادي الواسع، وأوضح دليل على ذلك قوافل الحجاج القادمة من فارس وجنوب العراق وسواحل الخليج التي كان يتولى قيادتها وحراستها بنو عامر، وكثيرًا ما أطلق على هذه القافلة اسم قافلة عقيل، وظلت هذه التسمية تطلق حتى عهد قريب على القوافل التجارية بوصفها اسمًا تجاريًا أكثر من كونها انتسابًا قبليًا
إن فترة الفراغ السياسي الذي حدث في بلاد البحرين في نهاية القرن الثامن الهجري (الرابع عشر الميلادي)؛ أي في حدود فترة التغييرات والأحداث التي أشرنا إليها سابقًا، هي الفترة التي ترجح فيها قيام سعيد بن مغامس بن سليمان أو إبراهيم بن جروان المالكي بالاستيلاء على السلطة في المنطقة، حيث تشير المصادر إلى أن إبراهيم بن ناصر بن جروان كان لا يزال حاكمًا للقطيف سنة 820هـ / 1417م . كما أن بطون بني عامر كانت تراقب الوضع في بلاد البحرين عن كثب، فتنتهز الفرصة المناسبة لاسترجاع نفوذها السياسي السابق، ومن المحتمل أن أسرة بني عصفور كانت تحتكر قيادة قوافل الحجيج، وهي الأقدر على استرجاع ذلك النفوذ بما لديها من قوة اقتصادية وأتباع وعبيد وأُجَراء كانوا يستخدمون في حراسة القوافل، إضافة إلى وجود صلات قوية لها بقبائل كثيرة بحكم ما تمارسه من نشاط . وأخيرًا يبدو أن مدة حكم أسرة جروان المالكي في بلاد البحرين لم تتجاوز نصف قرن، وربما كانت أقل من ذلك
قيام إمارة الجبور
هناك صلة بين العصفوريين والجبور، فكلاهما ينتسب إلى قبيلة بني عامر بن عقيل غير أنه من الصعب تقرير ما إذا كان الجبور ينحدرون من النسل المباشر للشيخ عصفور بن راشد أم لا إلا أنه من المؤكد أنهم ينتسبون إلى جدهم الأكبر جبر العامري العقيلي.
سيطر الجبور على بادية البحرين منذ سنة 820هـ / 1417م بقيادة زعيمهم زامل بن حسين بن ناصر بن جبر مؤسس إمارة الجبور الذي تمكن فيما بعد من فرض سلطانه على الأحساء والقطيف، كما رافق ذلك بسط نفوذه على أجزاء واسعة من نجد. حيث قام الشيخ زامل بن حسين الجبري بعدة حملات على نجد، فقاد جيشًا مؤلفًا من البدو والحضر لإخضاع قبائل الدواسر والفضول وعايذ في منطقة الخرج، وتمت هذه الحملات في أعوام 851هـ / 1447م، 852هـ / 1448م، 855هـ / 1451م، 866هـ / 1461م . وقد وصف البسام زامل بأنه ملك الأحساء والقطيف . كان الهدف من هذه الحملات هو تجنيد المقاتلين للزج بهم في المعارك التي كان الجبور يخوضونها هنا وهناك بين حين وآخر، وكسب تأييد حاضرة نجد عن طريق حمايتهم من هجمات أبناء البادية، والمحافظة على سلامة طرق القوافل التي تربط بلاد البحرين ونجد من جهة، ونجد وظفار من جهة أخرى
نجح الشيخ زامل الجبري إلى حد كبير في فرض هيبته وتثبيت نفوذه بين البدو والحضر في كل من نجد وبلاد البحرين، وأقام صلة من الروابط والمصالح المشتركة بين الفئتين . وقد تمكن من تكوين قوة خاصة إلى جانب القوة القبلية، يمكن الركون إليها، وتدين له بالتبعية والولاء بصورة مباشرة، فالعاملون في السفن ومغاصات اللؤلؤ ومصائد الأسماك ومن يتم جلبه من خارج الخليج للعمل كل هؤلاء عناصر يمكن الاستفادة منها في تكوين مثل هذه القوة الخاصة والبعيدة عن التأثر بالولاءات القبلية السائدة، ولعل ما ذكره البسام من أن زاملاً كان يقود جيشًا عظيمًا من البدو والحضر يعبر عن الطبيعة الاجتماعية لتركيبة ذلك الجيش . كان لزامل ثلاثة من الأبناء هم: سيف، وأجود، وهلال، وقد أسهم سيف في حياة والده في تدعيم نفوذ إمارة الجبور، ويذكر السخاوي أن سيفًا استولى على ما بيد بني جروان من بلاد البحرين من دون أن يحدد ما انتزع منهم وفي أي سنة . لقد حمل هذا الدور البارز لسيف في حياة والده بعض الباحثين المحدثين على اعتباره المؤسس الحقيقي لإمارة الجبور ، لكن الأحداث أثبتت عكس ذلك باعتبار زامل هو المؤسس الحقيقي للإمارة، ويحتمل أن سيفًا خلف والده في السلطة لفترة قصيرة ليخلفه بعد ذلك أخوه أجود الذي حكم الإمارة لفترة طويلة. إن أجود قد أسهم في حروب والده وأخيه ومارس نوعًا من السلطة، فبرزت مواهبه العسكرية والسياسية، وكسب شهرة وبروزًا أهّلاه لتولي إمارة الجبور بلا منازع. لقد اتسعت إمارة الجبور منذ تلك الفترة، وتهيأت لهم الفرصة لتدعيم قوتهم، وتوسيع نفوذهم بالاستفادة من ضعف إمارة الجروانيين، وضعف مملكة هرمز
قام الجروانيون قبل سقوط إمارتهم بمنح زامل بن حسين الجبري شيخ الجبور بعض الامتيازات المالية المجزية، وذلك مثلما فعل قبلهم العيونيون في أواخر عهدهم حينما منحوا مثل تلك الامتيازات للعصفوريين . استفاد زعيم الجبور من هذه الامتيازات لتدعيم سلطته؛ ما أثار الجروانيين الذين خططوا لقتل سيف الساعد الأيمن لوالده، لكن المؤامرة فشلت، وأدى ذلك إلى قيام الجبور بالإغارة على الأحساء، وقتلوا الحاكم الجرواني، وأنهوا حكم الإمارة الجروانية .
بعد وفاة زامل بن حسين الجبري مؤسس إمارة الجبور، خلفه ابنه سيف الذي أظهر - كما سبق - مواهب قيادية من خلال مشاركته مع والده في تأسيس الإمارة غير أن حكمه لم يدم طويلاً، فقد توفي سنة 875هـ / 1471م ليخلفه أخوه أجود
إمارة أجود بن زامل
تعد فترة حكم أجود بن زامل أزهى فترات إمارة الجبور، من حيث الازدهار وقوة الإمارة واتساعها، وقد تمتع هذا الحاكم بمؤهلات ومزايا جيّدة، وكفاءة عالية حملت بعض معاصريه من المؤرخين على أن يصفوه بأفضل الأوصاف والنعوت؛ فقد وصفه السخاوي بقوله: "وصار رئيس نجد ذا أتباع يزيدون على الوصف مع فروسية تعددت في بدنه جراحات كثيرة بسببها وله إلمام ببعض فروع المالكية، واعتناء بتحصيل كتبهم" . أما السمهودي فوصفه بأنه: "رئيس أهل نجد ورأسها، سلطان البحرين والقطيف، فريد الوصف والنعت في جنسه، صلاحًا وأفضالاً، وحسن عقيدة، أبو الجود، أجود بن جبر أيده الله وسدده" . وذكره الجزيري بقوله: "واتسعت له المملكة بحيث ملك البحرين... وصار رئيس نجد ذا أتباع يزيدون على الوصف... أكثر من الحج في أتباع كثيرين يبلغون آلافًا، مصاحبًا للتصدق والبذل لأهل الحرمين وغيرهم"
لقد حمل أجود بن زامل لقب السلطان هو ومن أعقبه من أمراء الجبور، وعلى الرغم من أن هذا اللقب عرف منذ العهد السلجوقي، إلا أنه يعني أن حامله هو حاكم مستقل يتمتع بكامل السيادة في بلاده
إن الإشارات الواردة في المصادر المختلفة تفيد بأن السلطان أجود لم تقتصر جهوده على توسيع الإمارة، وتثبيت دعائمها، وتحقيق الأمن والاستقرار، ودعم النشاط الاقتصادي، وتوسيع الفعاليات التجارية فحسب، بل سعى إلى تنظيم الإدارة، وتحقيق العدالة بتنصيب قضاة مشهود لهم بالمعرفة والاستقامة، كما أنه سعى إلى نشر التعليم في بلاد البحرين بتشجيع عدد من العلماء البارزين للعمل في بلاده، وكان يستغل فرصة قيامه بالحج حيث يلتقي هناك بعضًا منهم ويصحبهم معه، وكان عدد منهم من بلاد المغرب، ولما كان الجبور يتبعون المذهب المالكي فقد سعى إلى نشره في بلاد البحرين
إن بداية حكم السلطان أجود ونهايته من الأمور التي لا يزال يكتنفها الغموض، إذ لا بد من محاولة التوصل إلى معرفتها والاهتداء إليها. فالأدلة التي لدينا تجعلنا نميل إلى ترجيح أن بداية عهد أجود كانت في حدود سنة 875هـ / 1470م وهو ما أشار إليه السخاوي حين ترجم للقاضي جمال الدين عبد الله بن فارس التازي، إذ ذكر أنه غادر مصر سنة 876هـ / 1471م وذهب إلى مكة المكرمة، حيث أقام فيها فترة يسيرة وتوجه منها إلى البحرين برفقة سلطانها أجود بن زامل، ومكث في خدمته مدة خمسة عشر عامًا حتى نهاية 893هـ / 1487م، حيث حضر معه في مكة المكرمة موسم الحج، ثم لم يلبث أن توفي بعد نهاية الحج في المحرم سنة 894هـ / 1488م ، والذي يفهم من هذا النص هو: أن أجود كان سلطانًا على بلاد البحرين قبل سنة 876هـ / 1471م؛ أي قبل أن يلتحق به القاضي المذكور في موسم الحج من هذه السنة تقريبًا. ومن الإشارات الأخرى على توليه السلطة نحو سنة 875هـ / 1470م لجوء سلغور بن توران شاه إلى السلطان أجود ومساعدته إياه في تنصيبه على عرش هرمز سنة 880هـ / 1475م ، وكذلك الرسالة التي بعث بها وزير مملكة الهند البهمنية عماد الدين محمود بن أحمد القاواني الجيلاني الشهير بخواجة جهان إلى السلطان أجود بن زامل، إذ يعتقد أنه بعثها في حدود سنة 877هـ / 1472م. ومن المعلوم أن الوزير المذكور توفي سنة 886هـ / 1481م . لقد طالت فترة حكم السلطان أجود وامتدت حتى سنة 912هـ / 1506م أو قبل ذلك التاريخ بقليل بعد أن جاوز التسعين من العمر، فقد أشار الجزيري إلى أنه في سنة 912هـ / 1506م "حج أجود بن زامل صاحب الأحساء في جمع كبير جدًا يقال إنهم نحو ثلاثين ألفًا فأكثر"
خلفاء أجود بن زامل
يبدو أن السلطان أجود قد عمد في حياته إلى تقسيم البلاد بين أولاده الأربعة، وهم: سيف ومحمد وعلي وزامل غير أن أبرزهم كان محمد بن أجود الذي ذكره ابن فهد عند وصوله على رأس قافلة حجاج الجبور سنة 910هـ / 1505م ووصفه بأنه المتقدم عن أبيه في مملكته والمشار إليه" ، ولعل ذلك يدل على أن السلطان أجود كان قد نقل السلطة الفعلية إلى أولاده قبل هذا التاريخ. بعد موسم حج سنة 913هـ / 1507م وصل محمد بن أجود إلى مكة المكرمة على رأس جيش كثيف قدر بخمسين ألف رجل، وقيل إن مجيئه كان تلبية لطلب المساعدة من شريف مكة المكرمة بركات لحفظ الأمن والنظام في مكة المكرمة، ومنع تجاوزات بعض قبائل البادية، وقد رافقه ابنه وابن أخيه مقرن بن زامل وابن عم أبيهم صالح بن سيف . تزامن عهده مع دخول البرتغاليين إلى الخليج وانتشارهم في البحار العربية، حيث لجأ البرتغاليون إلى الضغط على الجبور عن طريق ضرب تجارة بلاد البحرين، فقد قاموا سنة 915هـ / 1509م بنهب سفينة في مياه الخليج كانت قادمة من جزيرة أوال، لكن الجبور أخذوا يواجهون تحديًا جديدًا من مملكة هرمز بعد أن أصبحت مقاليد الأمور بيد خواجة عطار، عم الملك شهاب الدين الذي قام سنة 917هـ / 1511م بتجريد حملة بحرية نجحت في الاستيلاء على جزيرة البحرين، لكن الجبور أرغموه على سحب قواته من الجزيرة بعد احتلال دام فترة قصيرة
وتعود العلاقة بين الطرفين إلى بداية قيام الإمارة الجبرية؛ ففي ظل الصراع بين أمراء مملكة هرمز في النصف الأول من القرن التاسع الهجري (الخامس عشر الميلادي)، استعان الأمير فخر الدين توران شاه الثاني حاكم ميناء قلهات العماني سنة 839هـ / 1435م بعرب البحرين ضد أخيه سيف الدين مهار ملك هرمز، وقد أمده الجبور بالسفن والخيول، كما أقرضه تجار بلاد البحرين الأموال اللازمة لتغطية تكاليف حملته، وقد استمرت هذه الحرب حتى سنة 843هـ / 1439م، وانتهت لصالح فخر الدين توران شاه فانتزع الملك من أخيه
أحكم البرتغاليون قبضتهم على مداخل الخليج وهرمز، وأصبحوا يهيمنون على أجزاء منه؛ ما أدى إلى إخراج مملكة هرمز من دائرة الصراع المباشر مع إمارة الجبور التي أصبحت وجهًا لوجه مع البرتغاليين
لقد وقعت إمارة الجبور في دائرة الصراع على السيادة في الخليج بين البرتغاليين والصفويين والعثمانيين، وظهر في تلك الفترة ارتباط غير مباشر بين العثمانيين والجبور.
بعد وفاة السلطان محمد بن أجود بن زامل كان الأميران صالح بن سيف بن زامل ومقرن بن زامل هما الشخصيتين البارزتين في البيت الحاكم، وقد امتاز مقرن بالشجاعة حيث قام بدور كبير في الحملات العسكرية وقوافل الحجيج جنبًا إلى جنب مع السلطان محمد بن أجود، على حين كان صالح أكبر سنًا وأوسع علمًا وثقافة؛ ما أهّله لتولي السلطة بعد محمد بن أجود، وقد وصفه المؤرخ الغزي بأنه "السلطان بن السلطان، متملك بلاد بني جبر، كان من بيت السلطنة هو وأبوه وجده"
لم يدم السلطان صالح في الحكم طويلاً، إذ إن التطورات السياسية والعسكرية التي أعقبت وفاة ملك هرمز سنة 920هـ / 1514م وتمكن السلطان صالح من استعادة السيطرة على بلاد البحرين والقطيف، قد أدت إلى تسوية بين الطرفين تضمنت التزام سلطان الجبور بدفع مبلغ سنوي محدد لملك هرمز لقاء احتفاظه بحكم بلاد البحرين والقطيف . وقد أدى ذلك الاتفاق إلى استياء عدد من زعماء البلاد الذين نظروا إليها على أنها إهانة لهم ولبلادهم، خصوصًا أن السلطان أجود وولده السلطان محمدًا قد توقفا عن دفع أي مبلغ لملك هرمز، وقد وصلت العلاقة بين السلطان صالح ومعارضيه إلى درجة الانفجار، حيث تمت الإطاحة به على يد ابن أخته مقرن بن زامل سنة 922هـ / 1516م
استطاع مقرن بن زامل أن يحافظ على وحدة البلاد وعلى هيبة الجبور، كما أخضع قبائل كثيرة كانت قد تمردت على سلطانه منها: بنو خالد وبنو لام وآل يزيد وآل مزيد في نجد .
كان السلطان مقرن بن زامل الذي اتصف بالشجاعة قد أسهم قبل توليه السلطة في صد هجوم الهرمزيين بقيادة خواجة عطار سنة 917هـ / 1511م على جزيرة البحرين ما أدى إلى شهرته وذيوع صيته . وقد وصفه أحد المؤرخين بقوله: "مُقرن أمير عربان بني جبر، متملك جزيرة بين النهرين إلى بلاد هرمز الأعلى، وكان أميرًا جليل القدر معظمًا مبجلاً في سعة من المال، وكان مالكي المذهب، سيّد عربان الشرق على الإطلاق"
لجأ السلطان مقرن بن زامل، من أجل تقوية مركزه السياسي، إلى المصاهرات المتبادلة مع بعض القبائل والزعماء، إذ تذكر المصادر أن أمير مكة المكرمة قد تزوج ابنة السلطان مقرن، ومن المحتمل أن دافع هذا الزواج كان سياسيًا، كما يحتمل وجود علاقة مصاهرة بين بيت مقرن وزعيم قبيلة بني خالد، فقد ذكرت المصادر أن حاكم جزيرة أوال والقطيف المدعو حميد ابن أخت السلطان مقرن قد يكون هو شيخ بني خالد أو ابن شيخها، إذ من المعروف أن سلسلة نسب زعماء بني خالد يطلق عليهم ابن حميد تارة وآل حميد تارة أخرى
شن البرتغاليون بالاتفاق مع ملك هرمز سنة 926هـ / 1520م هجومًا على بلاد البحرين، حيث كان السلطان مقرن في الحجاز يؤدي فريضة الحج، فتولى المقاومة حاكم جزيرة أوال والقطيف الشيخ حميد ابن أخت السلطان مقرن، الذي تمكن من صد الهجوم بفضل المقاومة الشديدة ومعاكسة الرياح الشديدة لسفن الحملة . وحينما علم السلطان مقرن بالهجوم سارع بالعودة من الحجاز وتوجه إلى جزر البحرين ليشرف بنفسه على الاستعدادات الضرورية لمواجهة هجوم كان مرتقبًا.
وفي سنة 927هـ / 1521م هاجم البرتغاليون والهرمزيون جزيرة أوال والقطيف بجيش يتكون من ثلاثة آلاف من العرب والفرس أدى هذا الهجوم إلى مقتل السلطان مقرن فانهارت معنويات قواته، وقيل إن ريس شرف - قائد قوات هرمز - قطع رأس السلطان مقرن وحمله معه إلى هرمز . ومن نتائج هذا الهجوم أيضًا أن انتزع البرتغاليون والهرمزيون جزيرة البحرين وحاولوا احتلال القطيف غير أن شدة مقاومة الجبور أدت إلى تراجع قواتهم
علاقة الجبور بالعثمانيين
في أعقاب تولي السلطان مقرن بن زامل السلطة في بلاد البحرين بدأ في البحث عن حليف لدعمه في مواجهة البرتغاليين فكان العثمانيون هم الطرف الأبرز إن لم يكن الوحيد الذي تنطبق عليه مواصفات هذا الحليف المنشود، بصفتهم حماة المسلمين، ولما يملكونه من خبرات وقدرات عسكرية، ولقربهم من المنطقة، وصلة مقرن القوية بحلفائهم في الحجاز؛ فقد كان الزعيم الجبري على صلة قوية بالأشراف في الحجاز، وتتجسد أقوى مظاهر هذه الصلة في مصاهرته - كما أسلفنا - شريف مكة المكرمة بركات بن محمد بن بركات بن حسن بن عجــلان 903 - 931هـ / 1498 - 1525م . لهذا لا يستبعد أن يتصل بالعثمانيين عن طريق الأشراف الوثيقي الصلة بهم، خصوصًا أن علاقة مقرن بالأشراف قد تكون تمت قبل اعتلائه السلطة في الأحساء، ومن خلال هذا تلقى الدعم للاستيلاء على الزعامة الجبرية وانتزاعها من خاله صالح بن سيف الذي كان على علاقة ودية مع البرتغاليين وأتباعهم في هرمز، فيما انقلبت هذه العلاقة إلى عداء فور تولي مقرن بن زامل السلطة
غادر صالح الذي لم يكن في وئام مع العثمانيين الأحساء إلى دمشق متسترًا ومتخفيًا وسمى نفسه عبد الرحيم ، على عكس مقرن الذي كانت تربطه بالعثمانيين علاقة وطيدة وخير دليل على ذلك هو قيامهم بمساعدته في بناء أسطول بحري 927هـ / 1521م، بسرعة وبمواصفات غير متوافرة في المراكب المحلية، في أعقاب محاولة البرتغاليين احتلال جزيرة البحرين؛ ما مكنه من تهديد التجارة بين هرمز والبصرة، وقد شارك بعض الخبراء العثمانيين في بناء سفن هذا الأسطول، كما شارك متطوعون عثمانيون مع مقرن، وما يعزز من وجود هذه العلاقة هو توجه مقرن إلى مكة المكرمة في موسم حج سنة 926هـ / 1521م على الرغم من التهديد البرتغالي لممتلكاته في جزيرة أوال والقطيف؛ ما يوحي بأنه كان يبحث عن دعم مباشر من صهره شريف مكة المكرمة الوثيق الصلة بالعثمانيين، وكذلك الإشارة إلى وجود مجموعة من رماة البنادق ضمن قوات مقرن المدافعة عن جزيرة أوال سنة 927هـ / 1522م، حيث تم دعم تلك القوات بأسلحة نارية ومعدات حديثة ، وأفراد متمرسين على استخدامها، لتدريب القوات المحلية الحديثة العهد بتلك الأسلحة، إضافة إلى الاستفادة من القدرات القتالية لهؤلاء الرماة.
كانت القوة المرشحة لتقديم هذا الدعم هم العثمانيين الذين نعتهم رماتهم بـ (الروم)، وهو مصطلح يقصد به أتباع الدولة العثمانية، وهذا الدعم كان يتم إما مباشرة عن طريق أحد مؤيديهم الذي يحتمل أن يكون بركات بن محمد، شريف مكة المكرمة، وأنه تم استقدامهم من القوات العثمانية الموجودة في الحجاز، وإما عن طريق بعض المقاتلين غير النظاميين من المتطوعين أو المحترفين لتقديم خدماتهم في إطار لا يتنافى مع المصالح العثمانية
نهاية إمارة الجبور
ترك مقتل السلطان مقرن بن زامل بن أجود الجبري في إمارة الجبور فراغًا سياسيًا كبيرًا يصعب ملؤه، ومن المحتمل أنه قد ظهر في صفوف الجبور محوران متنافسان حول الزعامة: أحدهما كانت تتركز زعامته في الأحساء في أولاد أجود وأحفاده، والآخر في عُمان الشمالي، وفي واحات البريمي، وبخاصة في أولاد هلال بن زامل بن حسين الجبري وأحفاده، ويعزى السبب الرئيس في انهيار إمارة الجبور إلى التناحر بين هذين المحورين، وإلى قيادتيهما، إضافة إلى جمود النشاط الاقتصادي، وكساد النشاط التجاري الذي ساد إمارة الجبور بظهور البرتغاليين في مياه الخليج، وخروج جزيرة البحرين (أوال) من أيديهم .
لقد انتقلت السلطة بعد مقتل السلطان مقرن بن زامل مباشرة سنة 927هـ / 1521م إلى عمه علي بن أجود الذي لم يتمكن من الاحتفاظ بها إلى أكثر من شهر، إذ خلفه ابن أخته ناصر بن محمد بن أجود الذي بقي في السلطة مدة ثلاث سنوات تميزت - فيما يبدو - بالضعف والفوضى، وحينما أدرك عجزه عن إدارة شؤون الإمارة تنازل عنها لقطن بن علي بن هلال بن زامل مقابل مبلغ من المال . وبذلك انتقلت السلطة من بيت السلطان أجود بن زامل إلى بيت أخيه هلال بن زامل الذي كان نفوذه يتركز في عُمان الشمالي، ويطلق عليهم المؤرخون العُمانيون في بعض الأحيان بني هلال، إذ تغلب عليهم البداوة
توفي قطن بن علي بعد أن حكم فترة لم تتجاوز سنة واحدة ليخلفه ولده الذي تخلى عن السلطة لابن عم والده المدعو غضيب أو قضيب بن زامل بن هلال الذي من المحتمل أنه مد سلطته إلى عُمان أثناء فترة حكمه، ويظهر أنه تم التوصل إلى اتفاق بين أولاد السلطان قطن، والسلطان غضيب (قضيب) على اقتسام البلاد بينهم، فأخذ السلطان غضيب (قضيب) الأحساء ونجد، على حين أخذ أولاد السلطان قطن عُمان
في ظل هذه الفوضى السياسية والاقتصادية أخذ زعماء الأحساء والقطيف؛ بمن فيهم بيت السلطان أجود، في البحث عن زعيم قوي ينتشل البلاد مما حل بها من تدهور، فاتجهت الأنظار إلى البصرة، حيث كان الشيخ راشد بن مغامس بن صقر بن محمد بن فضل قد نجح في انتزاع البصرة من المشعشعين في حدود العقد الثاني من القرن العاشر الهجري / السادس عشرالميلادي، وكوّن له إمارة قوية هناك مستقلاً بها عن الصفويين. كان الشيخ راشد بن مغامس زعيم قبائل المنتفق يراقب ما كان يحدث في بلاد البحرين، نظرًا لعلاقة ذلك بأمن إمارته وبمصالحها الاقتصادية، وبخاصة أمن قافلة الحج التي كانت تنطلق من البصرة مارة بأطراف بادية البحرين
زحف الشيخ راشد بن مغامس بجيش نحو المنطقة بحجة دعم بعض القوى الحليفة له، والإعانة على ضبط الأمن والنظام، إلا أنه بعد فترة قصيرة استغل ضعفهم وارتباك أمرهم فانتزع منهم الأحساء والقطيف في حدود 931 - 932هـ / 1524 - 1525م، وبذلك تكون إمارة الجبور قد زالت من بلاد البحرين في هذا التاريخ بوصفها سلطة سياسية، وحلت محلها إمارة آل فضل، أو آل شبيب، وأصبح الشيخ راشد بن مغامس يلقب بسلطان البصرة والأحساء والقطيف . وهناك تساؤل مهم حول الزعامات التي يحتمل قيامها بطلب المساعدة والدعم من سلطان البصرة.
وللإجابة عن هذا التساؤل لا بد من استبعاد أسرة السلطان غضيب (قضيب) بن زامل بن هلال؛ لأن السلطة انتزعت منهم بالقوة، إذ يقول الجزيري: "فأخذها منه بالحرب الشيخ راشد بن مغامس" . لكن أسرتي أجود بن زامل وسيف بن زامل هما الأكثر احتمالاً في طلب هذه المساعدة
لم تمض سوى فترة قصيرة على وصول جيش البصرة بقيادة الشيخ راشد بن مغامس الفضلي إلى الأحساء حتى اصطدم بالشيخ قضيب وانتزع منه السلطة في حدود سنة 931هـ / 1525م