السدود والمنشآت المائية القديمة بالمدينة المنورة في المملكة العربية السعودية.
تعد السدود أحد المصادر الأساسية لتغذية المياه السطحية والجوفية، كما أنها تعد أيضًا من المصادر التي تساعد في تكوين البحيرات الجميلة عند نـزول الأمطار، وهي وجهة ضرورية للزوار في تلك المواسم من أجل الاستمتاع بالطبيعة.
وللمنشآت المائية القديمة الموجودة بكثرة في منطقة المدينة المنورة أهمية بالغة في تطوير صناعة السياحة، إذ تتميز المنطقة عبر التاريخ بأنها منطقة العيون والخيوف والقنوات والآبار والسدود والبرك، والشواهد التاريخية والأدلة الأثرية تؤكد ذلك حتى اليوم، وهذا يدل على أهمية المنطقة زراعيًا وتجاريًا، ومركزًا للاستيطان البشري، فقد اكتسبت المدينة المنورة وينبع والعلا وخيبر والعيص وكثير من الواحات شهرة واسعة في استخدام العيون والقنوات وحفر الآبار بطرق هندسية غاية في الدقة والتنظيم، غير أن معظم العيون والقنوات والآثار القديمة لم تعد مستخدمة الآن بسبب التقنيات الحديثة في استخراج المياه الجوفية وأساليب الزراعة والري، وإن كانت المحافظة عليها أمرًا في غاية الأهمية لأنها تمثل شواهد أثرية للنمو السكاني والتطور الحضاري.
أما بالنسبة إلى السدود والآبار القديمة فكثير منها لا يزال باقيًا في مواقعه، ويمكن تحويل بعضها إلى متنـزهات سياحية، ويوجد بالمنطقة سدود أثرية بنيت على فوهات الأودية والشعاب وكوَّنت خلفها بحيرات كبيرة تحتفظ بالمياه لمدة طويلة، ساعدت في رفع مستوى المياه في الآبار والعيون، ومن أهم سدود منطقة المدينة المنورة ما يأتي:
1 - سد العاقول (سد معاوية):
يقع هذا السد على وادي الخنق شرق المدينة المنورة بمسافة نحو 25كم، وجنوب قرية العاقول بنحو 15كم، يبلغ طوله الأصلي نحو 30م وارتفاعه من قاع الوادي إلى مستوى المنطقة المحيطة بنحو 20م، ويبلغ عرض جدار السد عند القاعدة نحو 10م، وقد تعرض السد في منتصفه لانهيار نتيجة للزلازل التي أصابت المنطقة عبر القرون بالإضافة إلى السيول الجارفة التي تصب في هذا الممر الضيق من الوادي، وعلى مقربة من هذا السد يوجد سد آخر أكثر طولاً وأقل ارتفاعًا وقد أقيم لحجز المزيد من مياه السيول التي تفيض من بحيرة السد الأول وقد تعرض هذا السد أيضًا في منتصفه لمثل ما تعرض له السد السابق من الانهيار.
وسد وادي الخنق من أحدث السدود المكتشفة التي لم تكن معروفة، ويعد كلا السدين مثالاً بارزًا لهندسة المسلمين في إقامة السدود، خصوصًا أن حجر التأسيس لهذا السد عثر عليه في قمة السد الرئيس وعليه اسم معاوية بن أبي سفيان، وهناك سدود أخرى من أهمها سد وادي رانوناء الذي بناه عبدالله بن عمرو بن عثمان بن عفان جنوب المدينة المنورة شمال جبل عسير، وسد وادي السد وبقايا سد عاصم في الجماوات في الجهة الغربية من وادي العقيق.
اشتهرت المدينة المنورة بالبرك والآبار، لري المزروعات وللشرب، داخل المدينة وخارجها، وكان الصحابة والتابعون والمحسنون من المسلمين يتنافسون في حفر الآبار لأبناء السبيل، كما ظهر بناء البرك على امتداد طرق التجارة والحج، وبالتحديد على طريق الحج الشامي والمصري وعلى الطرق القادمة من العراق، وما زالت آثار هذه البرك قائمة حتى اليوم ويمكن مشاهدة بعضها في محافظة العلا والعيص وطريق درب زبيدة شرق المدينة المنورة، ومن أشهر هذه البرك بركة عباثر في شعيب النورة بالعيص، وبركة الحجر، والبرك الباقية في الربذة ومهد الذهب وغيرها، وهذه البرك غطتها الرمال عبر العصور وبعضها مستخدم حتى اليوم، ومن أشهر البرك بركة الربذة الدائرية التي يصل قطرها إلى نحو 65م ولها مصفاة مستطيلة وهناك بركة أخرى قريبة منها رباعية الشكل.
وتشتهر منطقة المدينة المنورة بالعيون الجارية التي تم شق قنواتها تحت مستوى سطح الأرض بطريقة هندسية عرفت في المنطقة قبل الإسلام، وكان أهل المدينة يعتمدون كثيرًا على هذه العيون لقرون طويلة حتى حلَّت مكانها الآبار الحديثة، والمصادر التاريخية غنية بالمعلومات عن العيون في المدينة المنورة، وهناك عيون كثيرة اشتهرت بها العلا وينبع وخيبر وبعض آثارها لا تزال باقية.
2 - سد العقيق:
سد حديث تم إنشاؤه في عام 1380هـ / 1960م ويقع جنوب المدينة المنورة بمسافة تقارب 15كم، ويقدر ارتفاعه بنحو 8م، وللموقع أهمية سياحية خاصة وقت نـزول المطر عندما تتجمع المياه في بحيرة السد.
3 - سد البنت:
سد قديم مبني من الحجر على وادي الغرس وارتفاعه نحو عشرة أمتار وطوله 100م، يقع على بعد 20كم من مدينة خيبر، يعود تاريخ بنائه لفترة زمنية بعيدة تراوح بين 400 و 600 عام، وتهدم جزء كبير منه، ولكن يمكن استغلاله في أنشطة سياحية مختلفة.
4 - سد وادي قران:
يقع سد وادي قران في مركز السويرقية، على بعد تسعة كيلومترات من المركز، وهو سد حديث تم إنشاؤه سنة 1394هـ / 1974م لتوفير المياه للمزارع المجاورة له، يبلغ طوله نحو 200م، وتمتلئ بحيرة السد بالمياه في موسم الأمطار ما يجعله مزارًا سياحيًا في المنطقة.
5 - سد الحصيد:
سد أثري قديم يبعد عن مدينة خيبر مسافة تقارب 14كم من جهة الجنوب، تتكون مواد بنائه من الحجارة ويبلغ طوله نحو 80م وارتفاعه نحو 12م، وقد قامت وزارة الزراعة والمياه بترميمه منذ فترة من الزمن، ويتكون للسد بحيرة أثناء موسم الأمطار تبلغ مساحتها نحو 2كم يؤمها الزوار بغرض الاستجمام والراحة.
6 - سد المشقوق:
سد أثري مبني من الحجارة، يقع شرق مدينة خيبر على أحد روافد وادي حلحال، ويبلغ طوله نحو 100م وعرضه نحو 10م، وهو من سدود خيبر التي عمَّرت في العصر الإسلامي المبكر.
7 - سد الزايدية:
سد أثري قديم يقع إلى الشمال الشرقي من خيبر على مضيق وادي الزايدية، طوله التقريبي 25م وسمك جدرانه 4م، وتعود أهميته إلى وجود نقوش إسلامية على الواجهات الصخرية من الجهة الجنوبية منه تعود إلى النصف الأول من القرن الأول الهجري؛ ما يعزز تحديد الفترة التاريخية لهذا السد والسدود الأخرى.
8 - سد القصيبة:
سد أثري قديم يبعد عن مدينة خيبر بنحو 25كم من جهة الجنوب الشرقي، وقد شيد على مجرى ضيق لوادي الغرس في حرة خيبر إلى الجهة الجنوبية الشرقية لمدينة خيبر نفسها، ويعد من أكبر وأقدم السدود الأثرية في المملكة العربية السعودية، ويبلغ طوله الأصلي نحو 300م، بقي منه نحو 170م، وهو عالي الارتفاع من بطن الوادي إلى مستوى الحرة، حيث يصل ارتفاعه إلى نحو 30م، والسد مدرج من كلا الواجهتين، وتم إضافة طبقة من الملاط في الجهة المحاذية لحجز المياه، والسد هرمي الشكل بحيث تزداد سماكته عند القاعدة وتقل كلما ارتفعنا إلى أعلى، وقد تعرض عبر العصور للكثير من التدمير واختفت بعض مرافقه الأخرى، ولكنه يظل شاهدًا على العلوم الهندسية عند العرب والمسلمين والدقة في التنفيذ، ومن خلال المشاهدة يتضح أن السد كان يحجز خلفه بحيرة كبيرة الحجم أدت إلى استصلاح الأراضي وزيادة خصوبتها وبالتالي نجحت الزراعة في العصور الإسلامية المبكرة في منطقة المدينة المنورة.
9 - سد وادي رانوناء:
يقع جنوب المدينة المنورة بالقرب من جبل عسير، وقد بناه عبدالله بن عمرو بن عثمان بن عفان.
10 - سد وادي بطحان:
أنشئ هذا السد عام 1384هـ / 1964م على وادي بطحان الذي يخترق المدينة لحمايتها من خطر الفيضان، وتقوم أمانة المدينة المنورة حاليًا بتحويل مجرى هذا الوادي ليصب في وادي العقيق.
11 - سد شعب:
سد قديم متميز يعود تاريخ بنائه إلى ما قبل 300 عام، مبني من الحجر، ويقع على بعد 5كم تقريبًا من مركز المندسة بالقرب من بعض القصور المتهدمة، وللموقع أهمية تاريخية وتراثية وأثرية، ويمكن تأهيله لأنشطة سياحية مختلفة.