العلاقات مع دول اليمن في منطقة جازان في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
العلاقات مع دول اليمن في منطقة جازان في المملكة العربية السعودية

العلاقات مع دول اليمن في منطقة جازان في المملكة العربية السعودية.

 
أ) الدولة الزيادية:
 
قامت الدولة الزيادية في تهامة اليمن في أواخر القرن الثالث الهجري / التاسع الميلادي تقريبًا على يد مؤسسها محمد بن زياد الذي عُيِّن بدعم الخلافة العباسية ومساندتها  ،  وما لبث نفوذها أن امتد ليشمل مناطق واسعة من اليمن ووصل خارجها إلى حلي ابن يعقوب شمالاً   وبذلك دخلت المنطقة في نفوذ الدولة الزيادية، ولكنه كان نفوذًا اسميًا فقط في السكة والخطبة مع مبلغ من المال يدفعه حاكم المنطقة إلى الدولة الزيادية بوصفها ممثلة الخلافة العباسية  ،  ولم ينقطع الارتباط الاسمي للمنطقة بالدولة الزيادية إلا فترة وجيزة خلال حكم سليمان بن طرف الحكمي الذي استقل بالمنطقة عن الدولة الزيادية إبان ضعفها في آخر عهد أبي الجيش إسحاق بن إبراهيم  ،  ولكن لم يلبث أن عاد النفوذ الاسمي للدولة الزيادية إلى المنطقة في عهد الحسين بن سلامة مولى الزياديين   ولعله استمر إلى نهاية الدولة الزيادية.
 
ب) الدولة النجاحية:
 
وفي عصر الدولة النجاحية التي خلفت الدولة الزيادية في حكم اليمن ارتبطت الزعامة المحلية في المنطقة من الحكميين بهذه الدولة بعلاقة صداقة وتعاون بوصفها ممثلة الخلافة العباسية، كما قام تحالف بينهما في مواجهة الزحف الإسماعيلي على يد الملك علي بن محمد الصليحي الذي أسقط الدولة النجاحية في زبيد فلجأ بعض ملوك بني نجاح بقوتهم إلى المنطقة ليحتموا بها من ضربات الملك الصليحي، ولكنه تبعهم إلى المنطقة، وأنـزل بهم الهزيمة في موقعة الزرائب.
 
وعلى الرغم من تغير الزعامة المحلية في المنطقة من الحكميين إلى العلويين (السليمانيين) فقد حرصت الزعامة الجديدة في المنطقة على إقامة علاقة تحالف وتعاون قائم على الندية مع الدولة النجاحية التي عادت إلى الحكم في زبيد بعد مقتل الملك علي بن محمد الصليحي سنة 459هـ / 1067م، حيث استعان جياش بن نجاح بأمير المخلاف السليماني يحيى بن حمزة ضد سبأ بن أحمد الصليحي، فكانت موقعة الكظائم التي انتصر فيها الأحباش على الصليحيين، وانهزم فيها سبأ بن أحمد الصليحي هزيمة نكراء، وكان لمساعدة الأمير السليماني دور حاسم في هذا النصر. وكان أغلب التعاون القائم بين السليمانيين في المنطقة وبين الدولة النجاحية في زبيد يرتكز على مقاومة القوى الإسماعيلية المعادية للسنة، كما حصل في التعاون الذي قام بين الطرفين لمساعدة سليمان بن الحسن الحجوري السني المذهب ضد أخيه الخطاب بن الحسن الحجوري الإسماعيلي المذهب الموالي للصليحيين. كما هب السليمانيون بقيادة الشريف غانم بن يحيى السليماني لنصرة الشرعية في حكومة النجاحيين في زبيد متمثلة في الوزير مفلح الفاتكي ضد خصمه الثائر عليه القائد سرور، ولكن حلت بهما الهزيمة في معركة المهجم سنة 529هـ / 1135م  .  وعلى الرغم من انتصار سرور واستلامه الحكم في زبيد فقد عادت المياه إلى مجاريها بينه وبين الأمير غانم السليماني، وظلت العلاقات مع الدولة النجاحية على ما كانت عليه  
 
ج) دولة بني مهدي 554 - 569هـ / 1159 - 1174م:
 
قامت دولة بني مهدي وقضت على الدولة النجاحية ووسّعت نفوذها في مناطق واسعة على حساب الدولة الزريعية وارثة الدولة الصليحية، ثم ما لبث بنو مهدي في عهد عبدالنبي بن مهدي أنْ هاجموا إمارة بني سليمان في المنطقة سنة 561هـ / 1166م، وقتلوا زعيمهم وهاس بن غانم وعاثوا فسادًا في المخلاف السليماني  ،  ولم يستطع السليمانيون التصدي لضغوط بني مهدي عليهم، وخافوا زوال إمارتهم كما زالت دولة حلفائهم الأحباش وغيرها من القوى الصغيرة في اليمن؛ لذلك قرر السليمانيون طلب المساعدة من الخليفة العباسي، فبعثوا رسولاً إليه لنجدتهم والقضاء على دولة بني مهدي، وقيل: بل طلبوا النجدة من السلطان صلاح الدين الأيوبي في مصر  .  وأيًا كان الأمر فإن هذا العمل في حد ذاته يعد تطورًا مهمًا في العلاقات الخارجية للمنطقة تجاوزت حدود الجزيرة العربية إلى خارجها، ونتيجة للسفارة التي بعثها الأمير الشريف قاسم بن غانم أمير المخلاف السليماني بالإضافة إلى أسباب أخرى؛ قدمت حملة توران شاه بن أيوب إلى اليمن سنة 569هـ / 1174م وتعاون معها السليمانيون في القضاء على دولة بني مهدي  
 
د) الدولة الأيوبية 569 - 626هـ / 1174 - 1229م:
 
ارتبطت إمارة السليمانيين في المنطقة مع الدولة الأيوبية في اليمن بعلاقات جيدة منذ بداية حكمهما سنة 569هـ / 1174م، واستمر ذلك في عهد ملوك الأيوبيين الأوائل توران شاه ثم نوابه ثم طغتكين، ثم أصيبت بنكسة في عهد الملك إسماعيل بن طغتكين الذي تولّى الحكم في الدولة الأيوبية في اليمن بعد وفاة والده الملك طغتكين بن أيوب سنة 593هـ / 1197م. حيث قام سنة 596هـ / 1200م بحملة على المخلاف السليماني، ووصل إلى صبيا، وغرر بأهلها، فقتل الرجال، وسبى النساء، وارتكب الفظائع انتقامًا منهم لعدم مساعدتهم له  
 
على أثر ذلك وقع النـزاع بين أمراء المخلاف السليماني وبين الدولة الأيوبية في اليمن؛ وقد قُتِلَ في ذلك النـزاع الأمير المرتضى سنة 610هـ / 1213م، ثم خلفه أخوه المؤيد، فاستمر في مقاومة النفوذ الأيوبي مستعينًا بخصمهم الإمام الزيدي عبدالله بن حمزة حتى وقع في أسر الأيوبيين ثم أطلقوا سراحه.
 
واستمرت العلاقات متوترة مع الأيوبيين، وإن شابها بعض التحسن في عهد الملك المسعود بن الكامل، إلى أن قتل الأمير المؤيد على يد القوات الأيوبية سنة 616هـ / 1219م، وبعد ذلك اجتاحت القوات الأيوبية المخلاف في طريقها إلى مكة سنة 618هـ / 1221م، وبقي تحت النفوذ الأيوبي إلى نهاية الدولة الأيوبية بوفاة المسعود بمكة سنة 626هـ / 1229م  . 
 
إن اجتياح الملك المسعود الأيوبي للمخلاف السليماني يمكن فهمه في إطار سياسته لتوسيع نفوذه إلى مكة المكرمة التي ضمها إلى نفوذه، وأنهى حكم بني قتادة فيها سنة 619هـ / 1222م، حيث تقع منطقة جازان في الطريق إلى مكة؛ وتعد همزة الوصل بين الحجاز واليمن. وهكذا فإن لموقع المنطقة دوره في التأثير على استقلالها لأهميتها الإستراتيجية للمناطق المجاورة.
 
هـ) الدولة الرسولية 626 - 858هـ / 1229 - 1454م:
 
عندما استقل الملك نور الدين عمر بن علي بن رسول بحكم اليمن عن الأيوبيين، بعد وفاة الملك المسعود بن الكامل في مكة سنة 626هـ / 1229م  ،  كان يخشى ألا يسكت الأيوبيون في مصر على انتزاعه اليمن منهم؛ لذلك حارب الأيوبيين في مكة، وطردهم منها ليجعل منها نقطة متقدمة للدفاع عن ملكه في اليمن. وبما أن منطقة المخلاف السليماني تقع في الطريق إلى مكة، فكان لا بد له من إخضاعها لنفوذه المباشر لأهمية موقعها في طريق الحملات الأيوبية، ولكي يتسنى له ذلك عَمِل على إنهاء حكم أسرة الغوانم الشمولي في المنطقة، وقسمها بين عدد من الأسر الحاكمة من الأشراف السليمانيين ترتبط به مباشرة، وبث بعض الحاميات العسكرية على طول الطريق المار بالمنطقة إلى مكة المكرمة  
 
وكان الأشراف في المنطقة لا يمانعون في التبعية الاسمية للدولة الرسولية في اليمن؛ لأنها تُعدُّ الممثل الشرعي للخلافة العباسية في المنطقة، وكذلك لقوتها المتفوقة، ولكنهم كانوا يقاومون كل محاولة للدولة الرسولية للتدخل المباشر في شؤونهم الداخلية أو استقطاع شيء من بلادهم التي يتوارثون حكمها منذ زمن بعيد، وفي المقابل كان الرسوليون يمنعون محاولات الأشراف السليمانيين من الاستقلال عن نفوذهم الاسمي  ؛  لذلك استمرت العلاقات بين الجانبين تتأرجح بين الحسنة والمتوترة، وأغلب التوتر بين الجانبين كان حول منطقة حرض التي انتزعها الرسوليون من الأشراف، وولوها لبعض أمرائهم، ولم يسكت الأشراف على ذلك، وحصلت منهم محاولات لاستعادة المنطقة، واستمرت الحرب سجالاً بينهم وبين الدولة الرسولية حتى تمكن الأمير خالد بن قطب الدين، مؤسس الأسرة القطبية من انتزاعها من الدولة الرسولية سنة 806هـ / 1403م. ولكن ذلك أدى إلى قيام الملك الناصر الرسولي بغزو المخلاف السليماني سنة 813هـ / 1410م وأسر الأمير خالد بن قطب الدين ثم أطلق سراحه. وكان غزو الملك الناصر أحمد الرسولي للمنطقة آخر محاولة من الدولة الرسولية لإثبات قوتها، ولكنها تعرضت للضعف بعد وفاة الناصر سنة 827هـ / 1424م، واستمر ذلك حتى سقوطها سنة 858هـ / 1454م واستقلت المنطقة خلال ذلك عن النفوذ الرسولي  
 
و) الدولة الطاهرية 858 - 923هـ / 1454 - 1517م:
 
كانت العلاقة بين الأشراف القطبيين في المنطقة والدولة الطاهرية في اليمن علاقة جيدة يغلب عليها الوئام، حيث يلاحظ أنها كانت حسنة في أغلب الأحوال  ،  ولم تذكر المصادر أي احتكاك بينهما في منطقة حرض محل النـزاع بين الأشراف والدولة الرسولية السابقة، حيث انكفأ بنو طاهر على الشؤون الداخلية لدولتهم وعلى التجارة، ولم يتطلّعوا إلى مناطق نفوذ جيرانهم الأشراف في الشمال، ولا سيما أن منطقة شمالي تهامة العازلة بينهم وبين الأشراف كانت منطقة اضطراب مستمر ويضعف فيها نفوذ الدولة الطاهرية  ،  وقابل أمراء المنطقة من القطبيين سياسة الدولة الطاهرية التي تقوم على عدم التدخل في شؤونهم بسياسة مماثلة تقوم على المهادنة وحسن الجوار والتودد إلى الطاهريين بإرسال الوفود والهدايا وبعض المال  ،  بل وصل بعض أمرائهم إلى بلاط ملوك الدولة الطاهرية كما فعل الأمير أحمد بن درب الذي قدم بنفسه إلى زبيد لزيارة الملك المنصور الطاهري سنة 885هـ / 1480م، وقد قابله الملك المنصور بالحفاوة والإكرام  ،  ولم يكتفِ بذلك بل توسط له لدى السلطان المملوكي الأشرف قايتباي لرفع تعديات أمير مكة الذي غزا المخلاف سنة 882هـ / 1477م   وقد استمرت العلاقة حسنة بين الجانبين لفترة طويلة ولم يحدث ما يعكر صفوها. وفي ضوء هذه العلاقة الجيدة بين الجانبين لا نستطيع التسليم بسهولة بما أشارت إليه بعض المصادر والمراجع من قيام أمير المخلاف السليماني المهدي بن أحمد بتحريض دولة المماليك الجراكسة في عهد السلطان قانصوه الغوري لإرسال قواته إلى اليمن وإسقاط الدولة الطاهرية واحتلالها واعدًا إياه بالمساعدة  ،  خصوصًا أن هذه المصادر لم تذكر أسبابًا قوية لهذا التصرف من الأمير المهدي تجاه حلفائه وأصدقائه من بني طاهر.
 
شارك المقالة:
359 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook