القراطيس.. فرائض وواجبات فرط فيها كثير من المسلمين والمسلمات (المقدمة)

الكاتب: المدير -
القراطيس.. فرائض وواجبات فرط فيها كثير من المسلمين والمسلمات (المقدمة)
"القراطيس..
فرائض وواجبات فرط فيها كثير من المسلمين والمسلمات (2)




المقدمة:

إنَّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومِن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضلَّ له، ومَن يُضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد:

هذا البحث،الغاية والهدف والوسيلة:

هذا بحث يرصد أهم مظاهر الحال التي يَعيشها المسلمون اليوم بعيدًا عن الإسلام، والتي هي السبب الرئيس مِن وراء انحِدارهم من الريادة إلى التبعية، ومِن القيادة إلى الجندية، ومن مقدمة قافلة الحياة إلى ذيلها، ومِن أُستاذية الدنيا التي كانت بالأمس معلِّمَها المرشد وهاديها الأمين إلى متتلمذة على موائد الفكر غربيِّه وشرقيِّه، ممَّن لا يخلو طعامهم مِن سموم تجرُّهم إلى متاهات جديدة في الطريق.

 

بُغية هذا البحث والغاية التي يَرمي إليها: الله والجنة.

ومناه وهدفه الذي يَرنوه: تذكير المسلمين بهذه الغاية الغالية.

 

ووسيلته وطريقته - كما يتَّضح من عنوانه -: التعريف بالفرائض التي شرع الله، وبلغ رسوله، وأضاعها المسلمون؛ فهو يبين حقيقتها، ويعيِّن مظاهر ضياعها وجوانب التفريط فيها، ويوضِّح عوامل فقدِها أو ضَعفِها، ثم يرسم السبل التي يَنبغي اقتفاؤها للوصول إلى إحيائها.

 

وأبادر إلى القول بأن البحث في فكرته وخطته، ثم في منهجه ووسائله، لا يتحيَّز لفئة من المسلمين دون فئة، ولا يتشيَّع لحرَكة أو فصيل منهم دون حركة أو فصيل؛ لذلك فإن النَّهج الذي ارتضيتُه في استقاءِ معلوماته هو كتاب الله تعالى، وسنة نبيِّه صلى الله عليه وسلم، بفهم السلف الصالح الذين مضوا إلى الله تعالى بإحسان، ثم إنِّي بعدُ أستفيد من أيِّ فكر أو طرح؛ على أساس فهمٍ سليم لهذه الأسس، بما أرجو أن يكون توفيقًا من الله تعالى.

 

أرجو به: تذكيرَ المؤمنين وهدايتَهم الصراطَ وسواءَه، وتبصيرهم بما أفلتت أيديهم من مصابيح الطريق؛ فضلُّوها بعد وُجدٍ، ونسوها بعد ذُكرٍ، وفقدوها بعد معرفة، حتى لا نضلَّ الطريق والنور ملك يَمينِنا.

كالعِيسِ في البَيداءِ يَقتلُها الظَّما ??? والماءُ فوق ظهورِها مَحمولُ

 

ولنخرج من التِّيه الذي نعاه الشاعر علينا مخاطبًا خير مرسل:

شعوبُك في شَرقِ البلاد وغربِها
كأصحابِ كهفٍ في عميق سُباتِ
بأيديهمُ نورانِ ذكرٌ وسنَّةٌ
فما بالُهم في حالك الظُّلماتِ؟!

 

إنَّ أجزاء الدين هي حياة المؤمن، وهي بمثابة جسده الذي به يعيش، ورُوحه التي بها يَحيا، فكما أن حياة المرء هي عبارة عن مجموع هذين - الجسد والروح - فكذلك أجزاء الدِّين هي مجموعه الذي به يقوم؛ ولذا فإن كل جزء من هذه الأجزاء يسد في مكانه من هذه الحياة ثغرًا، لا يقوم به عنه جزء غيره؛ فضياع جزء منها معناه فقْد جزء مِن تلك الحياة في مقابلِه، وكلما كَثُرت الأجزاء المفقودة كثرت الثغرات المفتوقة، وفقَد الجسد - بالتالي - القدرة على الحياة، أو عاش فيها - على الأكثر - عليلاً، فكذلك الدِّين بالنسبة لحياة المسلم.

 

وإذا نظرْنا اليوم إلى الكثرة الكثيرة مِن الفرائض المضيعة، ومِن الآداب والقيم المنسيَّة، ومن السنن المهجورة، وجدنا الثغرات التي فتقت في الجسد الإسلامي كثيرة جدًّا؛ لذلك - ولا غرو - يَحيا المسلمون اليوم حياةً عليلةً، نعم جزاءً وفاقًا، فأنَّى لهذا الجسد المكلوم بما لا يُحصى من الجراح أن تقوم به حياة؟!

هل السمعُ بعد العَينِ يُغني مكانَها ??? أو العينُ بعد السمع تَهدي كما يَهدي؟

 

إنَّ مما يبعث الشجى في قلب كل مؤمن الحالَ التي وصل إليها اهتمام المسلمين اليوم بالإسلام؛ مِن قلة علمهم به، وتفقههم فيه، ثم عدم حرصِهم على العمل بأحكامه وتطبيقه في مجالات حياتهم.

 

بل لا إِخالني أعدو الحقيقة إن قلتُ: إنَّ مما يبعَث على الأسف - قبل ذلك - قلَّة رغبة أهل هذا الزمان من المسلمين في التعرُّف إلى الإسلام والتطلُّع إلى العلم به، فضلاً عن الجدِّ في التفتيش عن علومه، والتنقيب عن دقائقه، كما كان ذاك دأب سلَفِهم الأولين، الذين عُلم عنهم السعي الحثيث في تعلُّم الدِّين، والتنافُس الشديد بينهم في الإلمام بمسائله بكل سبيل تيسَّر لهم، ومهما كلَّفهم ذلك من مشاقَّ، سواء العلماء منهم والعامة في ذلك.

 

وأخبارهم عن هذا لا تستقصى، وأحوالهم فيه لا تكاد تُحصى، ولنضرب من حياتهم على ذلك أمثلة تكون عنوانًا لما وراءها، وبرهانًا على ما سبقها وما لحقها.

 

• سافر اثنتي عشرة ليلةً لأجل مسألة واحدة:

فهذا عقبة بن الحارث رضي الله عنه سافر من مكة إلى المدينة ليَلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله عن مسألة رضاعٍ وقعتْ له؛ فقد روى البخاري عن عقبة بن الحارث: أنه تزوَّج ابنةً لأبي إهاب بن عزيز، فأتتْه امرأة فقالت: إني قد أرضعتُ عقبة والتي تزوَّج، فقال لها عقبة: ما أعلم أنَّكِ أرضعتِني، ولا أخبرتني، فركب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة فسأله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كيف وقد قيل؟!)) ففارَقها عُقبة، ونكحت زوجًا غيره[1].

 

فيالله يُسافر من مكة إلى المدينة مَسيرة يُقضى دونها النحب على ناقة، وإن كانت من النوق النجب، فلا تقصر به المدة مطلقًا عن ثمانية أيام، يَحطُّه ليل ويحمله نهار، ليسأل عن مسألة واحدة، ولكن أنى العجب وهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!

 

فإن ترى أنه كانت تلك همة عُقبَة لأنها مسألة تتوقف عندها حياته ومعيشته كلها، فأجدر به أن يفعل، فتلك همة أخ له آخر، في مسألة لا يضره أنها تفوته، لكنه يسعى لأجلها مسيرة هي أكبر من هذه وأعظم!

 

روى أحمد، والطبراني في الأوسط، وغيرهما، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب عن رجاء بن حيوة قال: سمعت مسلمة بن مخلَد رضي الله عنه يقول: بينا أنا على مصر فأتى البواب فقال: إن أعرابيًّا على الباب يستأذن، فقلتُ: مَن أنت؟ قال: أنا جابر بن عبدالله، قال: فأشرفتُ عليه فقلتُ: أنزل إليك أو تصعد؟ قال: لا تنزل ولا أصعد، حديث بلغني أنك ترويه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ستر المؤمن جئتُ أَسمعُه، قلتُ: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((مَن ستَر على مؤمن عورةً، فكأنما أحيا موءودة))، فضرَب بعيرَه راجعًا[2].

 

فجاء رضي الله عنه من المدينة ليسأل عن مسألة عالمًا بها في مصر، ثم عاد مرة ثانية.

 

• خير خلف لخير سلف:

وعلى السبيل ذاتها سار السلف الصالح من بعد الصحابة رضوان الله عليهم على طريقتِهم تلك، يَقتفون الأثر، ومِن نوادر الرحلات ذكر عنهم أعاجيب.

 

فدونَك فاستمع ما صنعه هذا الإمام العظيم الحافظ أبو عبدالرحمن بقيُّ بن مخلَد الأندلسي رحمه الله؛ فقد نقل بعض العلماء من كتاب حفيده قوله: سمعتُ أبي يقول: رحل أبي من مكة إلى بغداد، وكان رجلاً بغيتُه ملاقاة أحمد بن حنبل.

 

قال: فلما قربتُ بلغتْني المحنة، وأنه ممنوع، فاغتممتُ غمًّا شديدًا، فاحتللتُ بغداد، واكتريتُ بيتًا في فندق، ثم أتيت الجامع، وأنا أريد أن أجلس إلى الناس، فدُفعت إلى حلقة نبيلة، فإذا برجل يتكلم في الرجال، فقيل لي: هذا يحيى بن معين، ففرجتْ لي فرجة، فقمتُ إليه، فقلت: يا أبا زكريا رحمك الله، رجل غريب، ناءٍ عن وطنه، أردتُ السؤال فلا تستخفَّني.

 

فقال: قل، فسألت عن بعض مَن لقيتُه، فبعضًا زكَّى، وبعضًا جرح، فسألته عن هشام بن عمار، فقال لي: أبو الوليد صاحب صلاة دمشق، ثِقة وفوق الثقة، لو كان تحت ردائه كبر أو متقلدًا كبرًا ما ضرَّه شيئًا؛ لخيره وفضله.

 

فصاح أصحاب الحلقة: يَكفيك رحمك الله، غيرك له سؤال.

فقلتُ وأنا واقف على قدم: اكشف عن رجل واحد؛ أحمد بن حنبل.

 

فنظر إليَّ كالمتعجِّب، فقال لي: ومثلُنا نحن نكشف عن أحمد، ذاك إمام المسلمين وخيرهم وفاضلُهم.

 

فخرجتُ أستدلُّ على منزل أحمد بن حنبل، فدللتُ عليه، فقرعتُ بابه، فخرَج إليَّ، فقلتُ: يا أبا عبدالله، رجل غريب، نائي الدار، هذا أول دخولي هذا البلد، وأنا طالبُ حديثٍ، ومقيِّد سنَّة، ولم تكن رحلتي إلا إليك.

 

فقال: ادخُل الأسطوان، يعني به الممر إلى داخل الدار، ولا يقع عليك عين، فدخلت، فقال لي: وأين موضعك؟! قلتُ: المغرب الأقصى، فقال لي: إفريقية؟‍‍ قلتُ: أبعد من إفريقية، أجوز من بلدي البحر إلى إفريقية، بلدي الأندلس.

 

قال: إن موضعك لبعيد، وما كان شيءٌ أحب إليَّ مِن أن أحسنَ عون مثلك على مطلبِه، غير أنِّي في حيني هذا مُمتحن بما لعلَّه قد بلغك.

فقلتُ: بلى قد بلَغني، وأنا قريب مِن بلدك، مُقبل نحوك.

 

فقلتُ له: يا أبا عبدالله، هذا أول دخولي، وأنا مجهول العَين عندكم، فإن أذنتَ لي أن آتي كل يوم في زي السُّؤَّال، فأقول عند الباب ما يقولونه، فتخرج إلى هذا الموضع، فلو لم تُحدِّثني في كل يوم إلا بحديث واحد، لكان لي فيه كفاية.

 

فقال لي: نعم، على شرط ألا تظهَر في الحِلَق، ولا عند المُحدِّثين.

فقلتُ: لك شرطك.

 

فكنتُ آخذ عصا بيدي، وألفُّ رأسي بخرقة مدنَّسة، وأجعل كاغدي - أي: ورقي - ودواتي في كمي، ثمَّ آتي بابه، فأصيح: الأجر رحمَك الله، والسؤال هناك كذلك، فيخرج إليَّ ويُغلق باب الدار، ويُحدِّثني بالحديثين والثلاثة والأكثر، فالتزمتُ ذلك حتى مات المُمتحن له، وولي بعده مَن كان على مذهب السنَّة، فظهَر أحمد، وعلتْ إمامته، وكانت تُضرَب إليه آباط الإبل، فكان يعرف لي حق صبري، فكنتُ إذا أتيت حلقتَه فسح لي، ويقصُّ على أصحاب الحديث قصتي معه، فكان يُناولني الحديث مناولة، ويقرؤه عليَّ، وأقرؤه عليه[3].

 

فانظر رحمك الله إلى حرصه على تحصيل العلم، يزيل به الجهالة عن نفسه، ويُزكِّي به قلبه، ويُؤجَر بتعليمه الناس بعد، ويحفظ دين الله تعالى، فأين نحن من أولئك؟!

 

هؤلاء خير سلف، فبمَ يوصف الخلف؟!

هذه أنسام أخبارهم تفوق أنفاس الربيع، وتُضارِع نور البدر ولألاءه في الليل السطيع، فأين منها حال خلفهم اليوم؟

 

حين يرتدُّ البصر من هذه القمة الشماء إلى أحوال المسلمين اليوم في وهدتهم ودركتهم التي فيها يتردَّون، يجد جمهور المسلمين العريض لا يعرف من الإسلام إلا اسمه، ومن القرآن إلا رسمه، ومن الحديث إلا وسمه، حتى لتضيع إلى هذا الحد واجبات وفرائض، وتهجر إلى هذه الدرجة مستحبات وسنن، فإن الحال حينئذ - بلا أدنى مبالغة - تُسفِر عن صيحات نذر، وأية صيحات؟!

 

صيحات تنادي بتدارك الصغير من الأمور قبل أن يستفحل، والفتي قبل أن يهرم، وليُدرك الخرق قبل أن يتسع على الراقع!

 

إن الأمر جد خطير، وليس باليسير.

 

إن هذه الحال التي يعيشها المسلمون بعيدًا عن دينهم تُعطي بلا شك دلالات خطيرة، أولاها بالتأكيد: أنَّ حرس حدود الشريعة نيام، بل الحقيقة - والحقيقة دومًا ما تَعتصر القلب اعتصارًا - هم موتى، وإلا فقل لي بربك: كيف استطاع اللصُّ أن يتسرَّب إلى الساحة فيَستولي على الكنوز (القلوب) فينزح ماء حياتها، ويقطع عنها مادة صلاحها (الإيمان)، ثم يُبدلها بماء الحياة تلك ماء آسنًا عاطنًا، وبمادة صلاحها هذه مادة فساد وخبث؟!

 

حتى صارت جنوده تأتمر بأمره، وتنتهي بنهيه، وتنتظر فيما لم يأتها عنه شيء قوله، ويمضي المسلمون بعدُ وقد تشبَّعوا بتلك المادة الخبيثة، وتشربت ذلك الماء الآسن العطن، فإذا القلب - وهو الملك - قد فسد أو مات، وتفسد لفساده الأعضاء - جنوده ورعاياه - فينتج عن ذلك أن يَمضوا تُترجم ذلك سلوكياتهم في كل مسالك الحياة في الليل والنهار أفعالاً وأقوالاً، وقد حدث ذلك فعلاً، وأماراته باتت واضحة لكل ذي عينين، إن كان ثَمَّ بصير، بيِّنة لكل ذي لب، وإن كنت أعجب كيف صبر ذو اللب حتى يُبصر البيِّن من الأمور، فإنه إنما كانت تكفيه طلائعها ومباديها، كما قيل:

وكل لبيب بالإشارة يفهَم إنه مِن المفروض ألا ينتظر حتى يرى الفضائيات من حوله تصير إلهًا يتوجَّه إليها بالسمع والطاعة والإذعان جميعُ النظار، ولا يتمهَّل حتى تصير نجومها معبودات الجماهير التي تَرنو إليها الأنظار، وتُصبح هي القدوات التي تشير لها: مِن هنا الطريق.

 

نعم؛ إنَّ اللبيب لا يتمهَّل حتى تغزوه الدعوات الهدَّامة في عُقرِ بَيته، وتحلُّ دون أن يدري في جوف رحله، وهل خبر البهائية - من بعد بلايا ومصائب عديدة - عنك أخي القارئ ببعيد.

 

فهل ساءلنا أنفسنا: كيف دخلت علينا هي ومثيلاتها؟ ومِن أين أتتْنا حتى صارت شرائع الدين عند كثير من الناس أقلَّ شهرة من لاعبي فريق كرة وأبطال مسلسل أو مسرحية؟ فكيف وصلت بنا الحال إلى ما وصلنا إليه؟

 

كيف تسلل ندامى الحان إلى مئذنة المسجد فكسَروها؟ وأين كان إخوان المسجد؟

 

لماذا كُسرت المئذنة ووقعت على الأرض، وعلتْ على رايتها رايات؟

 

لماذا أُسكت القارئ والمؤذن، وارتفَع بالأشجان والألحان صوت مغنٍّ ومُلحِّن؟

 

لماذا أعطي الأبواق يَنفخ فيها كلُّ صارخ، ويهذي فيها كلُّ مجنون، بينما سُحب المنبر من تحت أقدام الفرسان، ونُحِّي عن المنصَّة ملاك البيان؟

 

لماذا استيقظ الأعداء ونام الأصفياء؟

كيف سَمحوا لأنفسهم أن يناموا وهم أهل اليقظة، والنور يملأ جوانحَهم؟

وهل كان الندامى أيقظ منهم حين انتبهوا وهم الذين تملأ الظلمة جنوبهم؟

أتراهم أُغمضت أعينُهم لحظةً فتسلل العدو ففعل فعله الدنيء في خفية؟

 

لكن كيف؟

وإن أغمضت العين ببصرها، فأين كانت القلوب ببصيرتها؟

 

وهل كان أصحاب العمى الذين هم في ظلمات لا يُبصرون أشدَّ حرصًا على باطلهم من أهل الحق على حقِّهم، فزحفوا رغم شلل أطرافهم فسبقوا، بينما لم يتحرَّك أصحاب الحق والهدى والنور؟ أم قد مات هؤلاء، أو هم كالأموات، فحُق لأولئك أن يسبقوهم رغم ما بهم من شلل؟

 

آن آنَ أن يَنتبه صاحب الدار المنهوبة خيراتُها منذ أمد بعيد - ولا تزال - للصوص التي تعمل بجد واقتدار في تخريبها في الليل والنهار، آن أن يعي جند الإسلام دورهم المنوط بهم في حفظ هذا الدين، والعلم به، والعمل بأحكامه، وحمل أمانة تبليغه إلى العالمين.

 

فليفعلوا إنْ هم أرادوا النجاة، وإلا فلا نجاة.

 

لقد رفع النبي صلى الله عليه وسلم يومًا هذا النداء ليُخلد في العالمين أبد الدهر، فكان خالدًا: ((تركت فيكم شيئين لن تَضلوا بعدهما؛ كتاب الله، وسنَّتي))[4]، وبذلك نصب للناس ميزانًا يزنون أنفسهم عليه، فإن رجحوا به فقد أفلحوا وأنجحوا، وإن طاشت بهم كفته، فقد خابوا وخسروا.

 

فهل تُرى لا زالت أمتنا تعرف هذا الميزان وتُحقِّقه؟

 

وهل ترجح به اليوم إن وزنت؟ أم تراها تطيش؟

 

إن الأمة بحاجة شديدة إلى العودة من جديد للعمل على أساس مِن هذا الميزان القويم؛ بأن تجعله نصب أعينها، فهو طريقها لأن تَسلك سبيل النجاة.

 

فلتفعل إذا هي أرادت النجاة، وإلا فلا نجاة.

 

لقد ظل النبي صلى الله عليه وسلم في أفعاله وأقواله، في أخباره وأحواله - معيار المسلمين الأول؛ يقيسون أنفسهم عليه، ويُعايرون أعمالهم به؛ إذ هو صلى الله عليه وسلم دومًا المعيار والميزان الأكبر الذي عليه توزَن جميع الأشياء؛ على خُلقِه وهدْيه، وسيرته وسُنَّته، فما وافقها فهو الحق، وما خالفها فهو الباطل، ولطالَما استقام لهم - بفضل جعلهم هذا المعيار نصب أعينهم - النهج، وصلح لهم القصد، ووضح لهم الطريق، وتحقَّقت لهم الغاية، واستبان لهم الهدف، فلم يضلُّوا ولم يعوجُّوا، واليوم ضل المسلمون عن هذا المعيار، فإذا حالهم ما هم فيه!

 

وليس ثَمَّ من سبيل للنجاة منه إلا باحتذاء خطى سلفِهم، واقتفاء أثرهم، على ضوء هذا المعيار، إن أردنا مرادهم، وكان هدفنا هدفهم، وغايتنا غايتهم، ليتحقَّق لنا ما تحقَّق لهم.

 

أترانا نفعل؟




فليكن إن أردنا النجاة، وإلا فلا نجاة.

 

هذه أخي الحقيقة - وإن مرَّتْ وصَعُبت - فكفانا غفلةً وهروبًا منها، وهما - الغفلة الغرور - لا يجران علينا إلا اشتداد الأزمة، وتأزُّم الشدة؛ فلا سبيل أمامنا إلا وعيها والعمل على أساس منها، ولنعلم أننا أمة غيبتْ عنا - بزخم زائف ولهْوٍ رخيص - كنوزنا، وقد دفنت هذه الكنوز منذ أمد بعيد في باطن الثرى حتى ابتلعتها الأرض وغطَّتْها أطباق من التراب، فهي تحتاج منا إلى جهد جهيد لننقب عنها لترى نور الحياة، أو بالأحق لترى الحياة النور بها.

 

وهذا يَدعونا إلى أن يَبذل كل مِنا وسعه وطاقته، كلٌّ في مجاله، وبوسائله الميسَّرة له، فكل مُيسَّر لما خُلِقَ له.

 

لكن ربما أظلمت الطريق على مُريد، أو اختلطت على راغب، أو لم تتضح كاملة لعامل على استخراج هذه الكنوز، ولأجل هذا كانت هذه الدراسة كمحاولة جادة للتنقيب عن كنوز الإسلام الغائبة المهملة المضيعة، على أن نعمل معًا على إحيائها وبعثها في الناس؛ لتنير حياتهم، وتهديهم سواء السبيل.

 

إن هذا الكم الهائل من الفرائض المضيعة الذي أحصيته في هذا البحث - وقد تجاوز الثلاثين فريضة - وأضعاف أضعافه من القيم والآداب المنسية والسنن المهجورة، ليعطي - كما أسلفت - دلالات ذات مغزى كبير، لو أحسن المسلمون وأعمقوا التفكير.

 

إن المسلمين دبرت لهم مؤامرة كبرى حيكت خيوطها ولا تزال بدقة، وقام عليها عمال مهرة تفانوا في أداء مهمتهم، ونجحوا في تنفيذها باقتدار، فاستلوا الكنز وسرقوه دون أن يمسوا العملاق الهامد أدنى مساس؛ اتِّقاءَ يقظته وانتباهته، والغريب أن العملاق - على الرغم مِن فظاعة الآثار وقبْح النتائج على مرِّ الأحقاب والقرون - لم يَشعر بهم على الإطلاق، واليوم وقد أفاق ووعى ما حدث له، لا تزال خطواته نحو الخلاص بطيئة مُتثاقلة.

 

ترى هل تنتبه ذاكرته ويُفيق عقله فيعمل على الخروج من المرحلة الثالثة مِن عنق الزجاجة بأن يعمل على حل الأزمة بعدما تَجاوز مرحلتي أزمة الوعي ووعي الأزمة؟!

 

إنَّ العالم اليوم ينتظر خلاصًا يأتيه عن طريق هذه الأمة التي قادته بالأمس القريب، فأخرجته من دياجير الظلام، أن تعاود كرَّتها إلى الريادة مِن جديد، لتأخذ بيده ثانية إلى النور الذي ندَّ عنه، وتحله الهداية التي ضلَّها، وإن العالم اليوم لفي انتِظار هذا الخلاص، وإنه لعلى يقين من مجيئه، وإن كانت ذيول الظلام وطيورُه، وفلول الكفْر وخيوله تأبى عليها العودة مِن جديد، فهي تُدبِّر وتكيد وتَمكُر لئلا يأتي هذا اليوم، فهم - على حدِّ تعبير الأستاذ الكبير محمد الغزالي رحمه الله رحمة واسعة -: يُعالنون حينًا، ويُواربون أحيانًا بنيتهم تجاه الإسلام، وسواء صرَّحوا أو لم يُصرِّحوا، فإن أعمالهم تصرِّح بما يُبيِّتون، إنهم يُريدون القضاء عليه، وقد رسَموا الخطط وبدؤوا التنفيذ.

 

والليالي الحبالى تتمخَّض عن أحداث كئيبة؛ فأطرافنا تُنتقص يومًا بعد يوم، بل صميمنا مهدَّد بالضياع، والاستعمار الثقافي ملحٌّ في محْوِ شرائعنا وشراعنا، يُعينه كتاب مُرتدُّون، أو ساسة مبغضون لكتاب الله وسنَّة رسوله[5].

 

وقد صوَّر شاعر الإسلام الحكيم محمد إقبال حال العالم الذي يَحياه، وما يَنتظره من أمل الخلاص من هذه الدركة التي يَحيا، ودور أمة الإسلام الغائب المنتظر في قصيدته البديعة: (برلمان إبليس)، التي ذكر فيها أن إبليس وأعوانه اجتمعوا في مجلس شورى، وتباحثوا في سير العالم وأخطار الغد وفِتَنِه، وما يتوجَّسون من خيفة على نظامهم الإبليسي ومهمتهم الشيطانية، فتذاكروا في فتن وأخطار قد أحدقَتْ بهم وهدَّدت نظامهم، وجلَّلوا خطبَها، وتناذَروا شرها، فذكر أحدُهم الجمهورية وحسب لها حسابًا كبيرًا، فقال الثاني: لا يهولنَّك أمرها؛ فإنها ليست إلا غطاءً للملوكيَّة، ونحن الذين كسونا الملوكية اللباس الجمهوري؛ إذ رأينا الإنسان بدأ يتنبه ويفيق ويَشعُر بكرامته، وخفنا ثورةً على نظامنا قد لا تُحمد عاقبتُها، فألهيناه بلُعبة الجمهورية، وليس الشأن في الأمير والملك؛ إن الملوكية لا تنحصر في وجود شخص ترتكز فيه الملوكية، وفرد يستبد بالسلطان، إنما الملوكية أن يعيش الإنسان عيالاً على غيره، مستشرفًا إلى متاع غيره، سواء في ذلك الشعب والفرد، أما رأيت نظام الغرب الجمهوري؛ وجه مُشرِق وضاح، وباطنه أظلم من باطن جِنكيز خان؟!

 

فقال الآخر: لا بأس إذا بقيتْ روح الملوكية، ولكن ماذا يقول النائب المحترم في هذه الفتنة الدهماء التي أثارها هذا اليهوديُّ الذي يُدعى كارل ماركس، ذلك الباقعة الذي ليس نبيًّا، ولكنه يَحمل عند أتباعه كتابًا مقدَّسًا، هل عندك نبأ أنه أقام العالم وأقعده، وأثار العبيد على السادة حتى تزعزعَتْ مباني الإمارة والسيادة؟!

 

فقال الآخر مخاطبًا رئيس المجلس: يا صاحب الفخامة، إنَّ سحَرة أوربا وإن كانوا مُريديك المُخلصين، ولكني لم أعد أثق بفراستهم، ها هو السامري اليهودي الذي هو نُسخة من مزدك (الزعيم الفارسي الاشتراكي) قد كاد يأتي على العالم بقواعده، فاستنسَر البُغاث، وأصبح الصعاليك يزحمون الملوك بالمناكب، ويَدفعونهم بالراح (أعلام أرضٍ جُعلت بطائحًا).

 

إنا قد استهنَّا بخطب هذه الحركة الاشتراكية، وها هي قد استفحلت وتفاقم شرُّها، وها هي الأرض ترجف بهول فتنة الغد، سيدي، إن العالم الذي كنتَ تَحكمه سينقضُّ عليك، إذ ينقلب النظام العالمي ظهرًا لبطن.

 

فتكلم رئيس المجلس (إبليس) وقال: إني أملك زمام العالم وأتصرف به كيف أشاء، وسيرى العالم عجبًا إذا حرشتُ بين الأمم الأوربية فتهارشت تهارش الكلاب، وافترس بعضها بعضًا فعل الذئاب، وإذا همستُ في آذان القادة السياسيِّين وأساقف الكنائس الرُّوحانيين، فقَدوا رشدَهم، وجُنَّ جُنونُهم.

 

أما ما ذكرتم عن الاشتراكية، فكونوا على ثقة أنَّ الخرق الذي أحدثتْه الفِطَر بين الإنسان والإنسان لا يَرفؤه المنطق المزدكي (الفلسفة الاشتراكية)، لا يُخوفني هؤلاء الاشتراكيون الطرداء والصعاليك السفهاء.

 

إن كنتُ خائفًا، فإني أخاف أمةً لا تزال شرارة الحياة والطموح كامنةً في رمادها، ولا يَزال فيها رجال تَتجافى جنوبهم عن المضاجع، وتَسيل دموعهم على خدودهم سَحَرًا، لا يَخفى على الخبير المتفرِّس أن الإسلام هو فتنة الغد، وداهية المستقبل، ليست الاشتراكية.

 

أنا لا أجهل أن هذه الأمة قد اتخذتِ القرآن مهجورًا، وأنها فُتنتْ بالمال، وشغفتْ بجمعه وادِّخاره كغيرها من الأمم، أنا خبير أنَّ ليل الشرق داج مكفهرٌّ، وأن علماء الإسلام وشيوخه ليستْ عندهم تلك اليد البيضاء التي تُشرق لها الظلمات، ويضيء لها العالم، ولكن أخاف أن قوارع هذا العصر وهزاته ستقضُّ مضجعها وتُوقظ هذه الأمة وتُوجِّهها إلى شريعة محمد (صلى الله عليه وسلم).

 

إني أحذِّركم وأُنذركم من دين محمد (صلى الله عليه وسلم) حامي الذمار، حارس الذِّمَم والأعراض، دين الكرامة والشرف، دين الأمانة والعفاف، دين المروءة والبطولة، دين الكفاح والجهاد، يُلغي كل نوع مِن أنواع الرقِّ، ويَمحو كل أثر من آثار استعباد الإنسان، لا يفرِّق بين مالك ومملوك، ولا يؤثر سلطانًا على صعلوك، يزكِّي المال من كل دنس ورجس، ويَجعله نقيًّا صافيًا، ويجعل أصحاب الثروة والملاك مُستخلَفين في أموالهم، أمناء لله، وكلاء على المال.

 

وأي ثورة أعظم وأي انقلاب أشد خطرًا مما أحدثه هذا الدِّين في عالَم الفكر والعمل يوم صرَخ أنَّ الأرض لله، لا للملوك والسلاطين.

 

فابذلوا جهدَكم أن يظل هذا الدين متواريًا عن أعيُنِ الناس، وليهنكم أن المسلم بنفسه هو ضعيف الثِّقة بربه، قليل الإيمان بدينه، فخيرٌ لنا أن يبقى مشتغلاً بمسائل علم الكلام والإلهيات، وتأويل كتاب الله والآيات، اضربوا على آذان المسلم؛ فإنه يستطيع أن يَكسِر طلاسم العالَم، ويُبطل سِحرَنا بأذانه وتكبيره، واجتهدوا أن يطول ليلُه، ويُبطِئَ سحَره، اشتغلوا يا إخواني بإبعادهم عن الجدِّ والعمل حتى يَخسر الرهان في العالم.

 

خيرٌ لنا أن يَبقى المسلم عبدًا لغيره، ويَهجر هذا العالم ويعتزله ويتنازل عنه لغيره زهدًا فيه، واستخفافًا لخطره، يا ويلتنا ويا شقوتنا لو انتبهتْ هذه الأمة التي يعزم عليها دينُها أن تراقب العالم وتعسَّه[6].

 

إنَّ الإسلام يحمل في كيانه بذرة الخلود، ويستمدُّ مِن قرآنه وسنَّته أمدادًا مُنعِشةً كلما دخل في جو نكد؛ ولذلك بقينا وسوف نبقى حتى يرث الله الأرض ومن عليها، وإننا لخُبراء بأمَّتنا، بُصَراء بما يعتريها من أمراض وأسقام، ونعلم يقينًا أنها تمرض ويشتد مرضها إلى حدٍّ يوقن معه من يراها أنها مشرفة على الموت، موشكة على الهلاك، لكننا موقنون بأنها لا تموت أبدًا ولا تهلك، وسوف تبقى إلى أن تفنى الدنيا وتنقضي الحياة، وكما أننا موقنون بالأمراض والأعراض فإننا كذلك عارفون بأسباب النجاة والإطباب منها، وبأسباب البقاء، وأسباب البقاء تَكمُن في الرباط الوثيق بالقرآن والسنَّة العطرة، والعودة إليهما كلما أبعدتنا موجة عاتية عنهما، وآن للأمة أن تعود إليهما؛ فقد طال غيابها، وقد حان أن تجرع الدواء حتى تَشفى وتسلَم؛ فقد طال مرضها!

 

فهل تعي الأمة هذه الحقيقة الكبرى وتعمل لها ليُقلع عنها الداء ويتحقَّق لها الشفاء وترتفع عن ساحتها الهزيمة ويحلَّ موضعها نصر الله؟!

 

ذلك المرجو والمأمول فـ:

يا ليتَ قومي يسمعون شكاية
هيَ في ضَميري صرخةُ الوجْدانِ
أَسمِعْهُموا يا رب ما ألهمتَني
وأَعِدْ إليهم يقظة الإيمانِ

 

ويبقى أخي أن نُوقن أجمعين أن نصر الله الموعود لأمة الإسلام قادم، وأنه ليس السؤال: هل يتحقق لها ذلك أو لا؟ فإن تحقيق ذلك لها هو وعد الله الذي لا يتخلَّف، ولكن السؤال هو: هل يتحقَّق لها ذلك على أيدينا أم لا؟ وسوف يكون الجواب بالإثبات يوم نحقق الدِّين كلَّه بفرائضه وسننه دون تفريط أو تضييع لشيء منها، وهو الهدف الذي يَسعى هذا الكتاب في سبيل تحقيقه، والله وحده من وراء القصد، وهو يهدي السبيل.

 

ثم أما بعد:

فهذه الصفحات إنما كتبتْها يد الرفيق النصوح، بقلب الشفوق العطوف، يبغي بها تحقيق ما أوجبه عليه ربه من النصيحة لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم، فإن صادفت - أخي القارئ - منك قبولاً، فلا يعدمنَّ صاحبُها منك دعوة صالحة، وذاك منك نعم ما يَرجوه، وإن كانت الأخرى، ورأيتَ فيها من الشوائب والعطب ما لا ترضاه، فخذْ ما صَفا واحتملْ بالعفو ما كدر، وخاطب بها أخاك يصلح الخطأ والزلل، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارَكَ على نبينا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.




[1] رواه البخاري (88).

[2] رواه الطبراني في الأوسط (8133)، ورواه أحمد (4/ 147) وغيره، عن عقبة بن عامر، وصحَّحه الألباني في صحيح الترغيب (2337).

[3] سير أعلام النبلاء (13/ 292 - 294)، وصفحات من صبر العلماء لأبي غدة (ص: 55 - 58).

[4] رواه الحاكم (291) من حديث أبي هريرة، وصحَّحه الألباني في صحيح الجامع (2937).

[5] مُشكلات في طريق الحياة الإسلامية (ص: 22)؛ للشيخ محمد الغزالي.

[6] ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟ (ص: 230 - 232)؛ لفضيلة الشيخ أبي الحسن الندوي رحمه الله.


"
شارك المقالة:
30 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook