المنشأت العلمية التقليدية بالمنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
المنشأت العلمية التقليدية بالمنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية

المنشأت العلمية التقليدية بالمنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية.

 
 

المدارس الخيرية

 
أما المدارس الخيرية فقد قامت بدور كبير في نشر المعرفة وتوعية المجتمع دينيًا وثقافيًا، وقد تنافس الأعيان ووجهاء المنطقة في إنشاء هذه المدارس وتمويلها من الأوقاف التي حبس أهل الخير ريعها على هذه المدارس، ومثالها أسرة آل الشيخ مبارك التي تولت المسؤولية لخمس مدارس كانت قد أنشأتها لطلاب العلم من الأسرة وخارجها، كما كانت هناك مدارس أخرى تعنى بها كل من أسرة آل عمير، وآل موسى، وآل عفالق، وآل فيروز، وآل عبداللطيف، وآل عكلي، وآل ماجد، وآل هاشم، وآل كثير، وأسرة النعيم، وأسرة الخليفة وغيرهم. وفي القطيف أنشأ الشيخ محمد بن نمر مدرستين إحداهما في (العوامية) والأخرى في (الدبابية)، وحبس عليهما بعض الأوقاف، وفي جزيرة (تاروت) أنشأ الشيخ محمد المعتوق مدرسة خصص لها بعض الأوقاف للصرف عليها وعلى المدرسين والطلاب بها  .  "وكانت القطيف تعد المركز الرئيس الثاني للتعليم في المنطقة، وكانت حلقات الدراسة العلمية المتخصصة التي يتولى التدريس بها كبار علماء الدين نشطة بالقطيف، إذ تدرس فيها علوم اللغة العربية والمنطق والفلسفة والفقه والأصول، ويغلب على طرق التدريس فيها التقليد لأساليب الدراسة المتبعة في مدارس النجف بالعراق"  .  وهناك إلى جانب هذه المدارس، مدارس أوقفها بعض الولاة العثمانيين، وعينوا بها ناظرًا خاصًا على أوقافها، وكانوا يصرفون مخصصات يومية للمدرسين فيها والطلاب الملتحقين بها.
 
وأشهر هذه المدارس وأقدمها (مدرسة القبة)، وقد تم بناؤها في محلة (الكوت) عام 1019هـ /1610م، بداية القرن الحادي عشر الهجري، أوقفها الوالي العثماني علي بن أحمد بن لاوند باشا، وكلف الشيخ محمد بن علي بن حسين الواعظ بالنظارة على أوقافها، وعينه مدرسًا فيها، كما فوضه في اختيار المدرسين أو عزلهم، وقبول الطلاب الذين يدرسون فيها، وخصص له مقابل ذلك ثمانية عثامن تصرف له يوميًا، كما تم تخصيص ثلاثة عثامن للطلاب الذين يدرسون العقيدة، وعثمانين لطلبة الحديث الشريف، وعثمانين لدارسي النحو والبلاغة، وكان من شروط التدريس في هذه المدرسة أن يكون المدرس فيها حنفيّ المذهب، ولذلك كان يخصص ثلاثة عثامن للطلاب الذين يدرسون الفقه الحنفي، كما كان أغلب من تولى النظارة على المدرسة والتدريس فيها من أسرة آل ملا لكونهم من الحنفية  
 
وأنشأ الوالي مصطفى بن محمد باشا مدرسة يقتصر التدريس فيها على العلوم الشرعية، وأوقفها على يد الشيخ محمد بن عثمان بن جلال الشافعي، ثم تولت وقفها ذرية الشيخ، ومنهم الشيخ عثمان بن محمد، والشيخ محمد بن عثمان، والشيخ أحمد بن عثمان  .  ومن الواضح أن هذه المدارس كانت موزعة في مختلف أرجاء المدن بالهفوف والمبرز والقطيف وتاروت، بل توزعت هذه المدارس داخل المدينة الواحدة، ففي مدينة الهفوف - على سبيل المثال - هناك عدد من المدارس في حي الكوت، أكبر أحياء المدينة آنذاك، ومن هذه المدارس: (مدرسة العمير)، و (مدرسة الفلاح)، و (المدرسة الشلهوبية)، وفي حي النعاثل هناك (مدرسة النعيم)، و (مدرسة النعاثل)، وفي حي الرفعة (مدرسة الشهارنة)، وكذلك نجد في المبرز قد توزعت المدارس في مختلف أحياء المدينة، ففي حي العتبان (المدرسة الشمالية)، وفي حي القديمات (مدرسة الدوسري)، وفي حي السياسب (مدرسة السعدون)، وفي حي المقابل (مدرسة الخليفة)، وفي حي العيوني (مدرسة الزواوي)، و (مدرسة الكثير)، و (مدرسة الموسوي). وهذا التوزيع يساعد على انتشار المعرفة بين كل أبناء المنطقة، وإلى جانب هذا الانتشار للمدارس، هناك تنوع في اهتماماتها على الرغم من اشتراكها في التركيز على العلوم الشرعية واللغة العربية، فالملاحظ مثلاً أن (مدرسة القبة) توجه عنايتها إلى الفقه الحنفي، و (مدرسة آل فيروز) توجه اهتمامها إلى الفقه الحنبلي، بينما عنيت (مدرسة النعيم) و (مدرسة الزواوي) بالفقه الشافعي، واهتم بتدريس الفقه المالكي مدرسو (مدرسة النعاثل) و (مدرسة الخليفة). وكان هناك مدارس خصصت لتعليم القرآن الكريم ومنها (مدرسة البتير) التي أوقفها الشيخ عبداللطيف بن عبدالعزيز البتير على الشيخ علي بن عبدالرحمن بن محمد بن أحمد الماص لتكون مقرًا لتعليم القرآن الكريم، وكان مشروطًا في وقفية (مدرسة الدوسري) أن يُقرأ كل يوم بعد صلاة العصر على الدوام تفسير أو حديث  .  "وكان طلاب العلم يقصدون الأحساء من الكويت والبحرين وقطر وعمان وقلب الجزيرة طوال تلك الفترة، يقيمون ويستفيدون ويلزمون أشياخهم حتى مرحلة متأخرة من العمر، وقد ظل علماؤها مرجعًا لجميع ساكني الساحل في الفتوى والفقه، فالمبارك كانوا مرجع المالكية، كما كان آل الملا مرجع الحنفية على امتداد الساحل، ووجد فيهم علماء أيضًا من الحنابلة والشافعية"  .  "وكانت الدراسة في هذه المدارس تتم على فترتين صباحية ومسائية طوال أيام الأسبوع ما عدا الثلاثاء والجمعة، وكان التوقف عن التدريس في اليومين المذكورين سببه الرغبة في أن يكرس يوم الجمعة للعبادة وقضاء الشؤون الخاصة، أما يوم الثلاثاء فقد كان يومًا خاصًا يتنقل فيه العلماء وطلابهم – ولا سيما الوافدين من خارج المنطقة - إلى البساتين والعيون للتنـزه والترفيه" 
 
 

الأربطة

 
وإلى جانب هذه المدارس، هناك ما يطلق عليه (الأربطة) وهي نوع من المدارس تتميز بإيوائها طلاب العلم من الوافدين إلى المنطقة للدراسة فيها، وكذلك الفقراء الذين لا يملكون مأوى، وليس لديهم ما ينفقون به على أنفسهم من مأكل أو مشرب. والأربطة تستقبل الطلاب الملمين بمبادئ القراءة والكتابة سلفًا، لأن الدراسة فيها تتجه إلى تدريس علوم العربية من نحو وصرف وبلاغة وأدب، بالإضافة إلى مختلف العلوم الشرعية. وتتولى الأربطة إيواء الغرباء، وتعد لهم السكن المناسب كما تضمن لهم الإعاشة، فتصرف لهم ما يحتاجون إليه من طعام وشراب، وكان أغلب الملتحقين بالأربطة من الشباب الذين تعدَّوا مرحلة الكتاتيب، وكان الإنفاق على هذه الأربطة من أموال يوفرها أثرياء المنطقة، ويتسابق أهل الخير في وقف الأملاك عليها، ويخصص لها كبار المزارعين في المنطقة غلالاً من التمر والأرز للصرف على طلابها ومدرسيها.
 
وكان أقدم رباط عرفته المنطقة، الرباط الذي أنشأه الوالي العثماني علي باشا البريكي سنة 1036هـ /1627م، في حي الكوت بمدينة الهفوف، وأشهر هذه الأربطة، رباط آل أبي بكر الملا، وأكثرها طلابًا ومقيمين، وقد عمل الشيخ محمد بن أبي بكر الملا على تطوير هذا الرباط، وجلب له أساتذة متخصصين في كل فرع من فروع العلم، يصرف لهم مكافأة نظير تدريسهم، كما يصرف لطلاب العلم مخصصات مالية منتظمة من الأوقاف الخاصة بالرباط تشجيعًا لهم، وكان هذا الرباط يتكون من طابقين، في كل طابق عدد من الغرف والمرافق، كما خصص جزء منه للفقراء من الحجاج العابرين في طريقهم لأداء فريضة الحج، وجلهم من دول شرق آسيا، وبالخصوص الهند والباكستان. وكان الطلاب المقيمون في الرباط يسكنون الطابق الأول، بينما خصص الطابق الثاني للدراسة والتحصيل، وكان هذا الرباط قد تم إنشاؤه بالتعاون بين الشيخ عبدالله بن أبي بكر الملا، ورجل من أهل الفضل يدعى صالح بن دهنيم، وذلك سنة 1300هـ /1883م، وقد تخرج في هذه الأربطة عدد من العلماء والكتاب والشعراء المبدعين  
 
 

 المساجد

 
ويعاضد هذه المدارس والأربطة عدد من المساجد في المنطقة، فقد كانت هي الأخرى رافدًا ثقافيًا وفكريًا للمجتمع، ففيها تعقد دروس في التفسير والحديث ومختلف العلوم الدينية بالإضافة إلى حلقات مفتوحة للنقاش والأسئلة في العلوم العربية والدينية بعد الصلوات. ولا يتقاضى إمام المسجد - آنذاك - أجرًا على إمامته المصلّين، ولا مقابل على إعطاء الدروس في المسجد، وكان المدرس والإمام يقومان بهذه المهمة رغبة في نشر العلم وطلبًا للأجر والثواب من الله سبحانه. ونبغ كثير من الطلاب الذين كانوا يترددون على هذه الحلقات في المساجد، وصارت مجموعة منهم تشتغل في الوعظ والخطابة والتدريس، واشتغل بعضهم في القضاء والفصل في الخصومات بين الناس وإجراء عقود الأنكحة، وإبرام مختلف العقود الأخرى. وأوقف بعض الأغنياء وأهل الخير شيئًا من أملاكهم لصيانة هذه المساجد والعناية بها، ومن ذلك تخصيص مبلغ من المال لمن يقوم بمهمة تنظيف المسجد والإشراف على شؤونه. ولعل من أشهر هذه المساجد التي تنشط فيها الحلقات العلمية (مسجد العمير) بمدينة الهفوف، كما اشتهر مسجد (آل بداح) في حي الرفعة بمدينة الهفوف أيضًا بإحياء حلقات الوعظ، وأوقات خاصة للتدريس الديني، وكان أبرز من تولى مهمة التدريس في هذا المسجد الشيخ عبدالعزيز بن صالح العلجي في الفترة ما بين صلاتي العصر والمغرب من كل يوم، وكان الحال نفسه بالنسبة إلى مدينة المبرز، إذ قامت مساجد آل عبدالقادر، بدور علمي بارز لا يقل عن نشاط مساجد مدينة الهفوف.
 

المجالس الأدبية

 
ويمكن أن يضاف إلى تلك المؤسسات العلمية والثقافية، بعض المجالس الأدبية والثقافية التي تميزت بها هذه المنطقة، إذ كانت اللقاءات فيها بمثابة ندوات أدبية وجلسات علمية وثقافية تتخللها المداعبات والمساجلات الشعرية، والحوارات الدينية والأدبية، ومناقشة القضايا الاجتماعية العامة للبلد. وكان الجميع من مشايخ وعلماء ووجهاء المنطقة حريصين على حضور تلك الجلسات، وبخاصة ما بين صلاتي العصر والمغرب. وتميزت هذه الجلسات الأدبية المفتوحة بالبساطة ورفع الكلفة بين مرتاديها لكونها مقتصرة على الأصدقاء من الطبقة المثقفة، والمشايخ والعلماء الذين يتواصلون فيما بينهم باستمرار ويتزاورون على الدوام، وليس من المبالغة إذا قيل إن أكثر ما تم تدوينه من شعر ومحاورات أدبية لشعراء وأدباء المنطقة إنما تم خلال تلك الفترة، ولذا نجده يغلب عليه الإخوانيات والغزل البريء، والوصف والألغاز والمراسلات بالإضافة إلى شعر المناسبات الذي يكثر فيه المدح والرثاء، ويكاد يغيب عنه الشعر السياسي وشعر الهجاء  .  وهذه الجلسات الخاصة إما في أحد البيوت التي يقدم فيها للحضور شيء من التمر والقهوة واللبن وتدور خلالها المناقشات، والبحث والمذاكرة، وإما في إحدى المزارع الكبيرة المحيطة بالبلد، حيث الماء والخضرة والنسيم العليل، وتساعد طبيعة المنطقة الزراعية بكثرة بساتينها، وينابيع مياهها المتدفقة على إغراء أهلها بقضاء أوقات المتعة والترفيه عن النفس فيها، وكان الأحسائيون أكثر حرصًا على ذلك.
 
"ويداوم علماء الأحساء على النـزهة في النخيل، ولأكثرهم مزارع خارج البلد، فإذا صلَّوا العصر، اجتمعوا في إحدى المزارع حتى صلاة المغرب، يشمون النسيم، ويستنشقون رياه، ويستمتعون بالماء والخضرة، ويكون في أثناء ذلك البحث والمذاكرة، في العلم وأمور البلد، وأسعار السلع، وفي الأدب بصورة خاصة، يتناشدون الأشعار، ويتبادلون الأحاديث، ويروون الأخبار"  
 
ولشجرة النخيل في المنطقة الشرقية مكانة خاصة، لأنها في اعتقادهم أقدم شجرة في العالم، وأنها خلقت من فضلة طينة آدم عليه السلام، وكلمة (PHEINICIE) اليونانية تعني (النخيل) وإليها نسب (الفينيقيون) سكان هذه المنطقة الأوائل وقد اتخذوها رمزًا لدولتهم، ووضعوا صورة النخيل على عملتهم النقدية، ولا يزال الفلاحون في هذه المنطقة حتى يومنا هذا يعتقدون أن قطع شجرة النخيل في شبابها أمر شنيع، ويزيد عدد النخيل في المنطقة الشرقية على مليونين ونصف المليون نخلة أشهرها المسمى بـ (الخلاص) رطبًا وتمرًا، وكثيرًا ما ورد في أشعار المنطقة رمزًا لأجود الأطعمة.
 
وفي الأحساء وحدها أكثر من ثلاثة آلاف بستان، كما اشتهرت المنطقة بكثرة عيونها التي هي عماد هذه الزراعة، ومن أشهر هذه العيون (عين أم سبعة) و (الجوهرية) و (الحارة) و (الخدود)، أما عيون القطيف فأشهرها: (عين داروش) و (الربيانة) و (القشورية) و (الحمام) و (أم عمار) و (المربعة)، ومما يؤسف له أن هذه العيون بدأ ماؤها في التناقص تدريجيًا حتى جف بعضها تمامًا، لانخفاض مستوى الضغط في ينابيعها، ولعل ذلك ناتج عن الإسراف في استخراج المياه الجوفية، وحفر عدد كبير من الآبار الارتوازية  
 
شارك المقالة:
39 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook