ثالثاً: العوامل البشرية
تمثل العوامل البشرية أساساً وضابطاً مهماً في تحديد تماسك وتجانس الدولة، فالإنسان هو الذي يقوم بالأنشطة الاقتصادية، معتمداً في ذلك على موارد البيئة الطبيعة، وبذلك تكتسب عناصر البيئة الطبيعية قيمتها وأهميتها من خلال الإنسان، فهو المخطط، والمنتج، والمستهلك.
1. سكان المملكة العربية السعودية
نظراً لحداثة نشأت الدولة السعودية المعاصرة، لم تمارس المملكة الإحصاءات السكانية الدورية، ومن ثم لا يتوافر، إلى وقت قريب ما يشير إلى عدد، وتوزيع السكان، وتركيبهم، وقد تم أول تعداد سكاني سنة 1962، ألغيت نتائجه لعدم مصداقيتها. وفي سنة 1974 تم إجراء ثاني إحصاء سكاني، لكنه لا يكشف الواقع السكاني الحالي، بحكم التطور الاقتصادي، الذي حدث في البلاد منذ إجراء ذلك الإحصاء، فقد أدى التطور الاقتصادي إلى تغيير خصائص السكان التركيبية، وتوزيعهم، وحياتهم الاجتماعية. ونتيجة لذلك، برزت أهمية توافر التعدادات السكانية المواكبة للتطور الاقتصادي، الذي تعيشه الدولة، وتحقيقاً لهذا الهدف، فقد أُنشئت مصلحة الإحصاء العامة، التي تتبع وزارة المالية، وأوكل لها مهمة البيانات الإحصائية، ومن ثم، قامت بعمل تعداد تفصيلي لسكان المملكة سنة 1992.
وتجدر الإشارة إلى أن عدد سكان المملكة يقدر بنحو 965 087 20[1] حسب تقديرات يوليه 1997، منهم 55.7 % ذكور (.11.197732 نسمة)، و44.3 % إناث (8890233 نسمة)، وبلغ معدل النمو السكاني، حسب هذه التقديرات، نحو 3.42 % ويصل معدل المواليد إلى نحو 38 مولوداً لكل ألف نسمة، في حين بلغ معدل الوفيات نحو خمس وفيات لكل ألف نسمة.
2. التوزيع الجغرافي للسكان
وقد بلغ عدد سكان المملكة حوالي 16.9 مليون نسمة سنة 1992، منهم 12.3 مليون من السعوديين، 4.6 مليون نسمة من غير السعوديين، أي أن السكان يتوزعون بنسبة 3 إلى 1 على الترتيب، مما يدل على أن المملكة دوله جاذبة للسكان، نتيجة لتوافر العديد من الأنشطة الاقتصادية والخدمات بها.
ومن (جدول توزيع السكان السعوديين وغير السعوديين ومساحة المناطق في المملكة العربية السعودية (1992))، (خريطة توزيع السكان بمناطق المملكة)، يتضح تفاوت أعداد السكان من منطقة إلى أخرى، ويمكن تقسيم مناطق المملكة إلى الفئات السكانية التالية:
أ. مناطق مرتفعة السكان
وهي مناطق الثقل السكاني، وتزيد فيها نسبة السكان عن 20 % من جملة سكان المملكة، وتضم منطقتي مكة والرياض، إذ يستأثران معاً بما يقرب من نصف (49 %) عدد سكان المملكة، ينتشرون على أكثر من خُمس مساحة المملكة (22.8%)، ويرجع ذلك إلى أن المنطقة الأولى تضم بين أراضيها مكة المكرمة، العاصمة الدينية، وجدة ميناء المملكة الرئيسي، كما تضم المنطقة الثانية مدينة الرياض، العاصمة الإدارية، ومن ثم، يتوافر في المنطقتين العديد من الأنشطة الاقتصادية والخدمات، التي تجذب السكان أكثر من المناطق الإدارية الأخرى ذات الأنشطة المحدودة، فضلاً عن جذبهما العديد من الأيدي العاملة، ويؤكد ذلك أنهما يضمان معاً ما يقرب من 63% من جملة عدد السكان غير السعوديين.
ب. مناطق متوسطة السكان
وتضم المناطق الإدارية، التي يراوح سكانها بين 15% ـ 20% من جملة سكان المملكة، ويمثلها المنطقة الشرقية، ويسكنها نحو 15.2% من جملتهم، ينتشرون على أراضيها، التي تمثل 36.1% من جملة مساحة المملكة، ويرجع ذلك إلى أن المنطقة الشرقية تعد مهد الذهب الأسود، الذي يمثل الثقل الحقيقي للصناعة في المملكة، ويسكنها ويعمل بها 14.5 % من إجمالي السكان غير السعوديين. ويلاحظ أن المناطق الثلاث السابقة تستأثر مجتمعة بأكثر من نصف عدد السكان السعوديين ( 59.2%)، وحوالي 77.2% من السكان غير السعوديين، وتتوزع النسبة الباقية على مناطق المملكة العشر المتبقية.
ج. مناطق محدودة السكان
وهي المناطق، التي يقل سكانها عن 10% من إجمالي سكان المملكة، وتشتمل على المناطق العشر الباقية، وتضم مجتمعة أكثر من ثُلث (35.8%) سكان المملكة، يتوزعون على حوالي 41.1% من مساحة المملكة. وتأتي منطقة عسير (7.9 %) في مقدمة تلك المناطق، وذلك لما تتميز به من مناخ جبلي معتدل، وما يتوافر بها من نشاط زراعي ورعوي وسياحي، تليها منطقة المدينة المنورة (6.4%)، حيث تضم ثانية أهم المدن المقدسة في العالم الإسلامي، ثم منطقتا جيزان والقصيم، ويسكنهما 5% ، 4.4 % على الترتيب من جملة سكان المملكة، وتعدان من المناطق الزراعية المهمة في المملكة. وتتدرج النسبة إلى أن تنتهي بالمنطقة الشمالية، التي تضم نحو 1.4% من جملتهم، وترجع قلة السكان بها إلى سطحها الصحراوي الهضبي، وموقعها الحدودي المتطرف.
3. الكثافة السكانية
تعد الكثافة السكانية في المملكة منخفضة جداً، إذ تبلغ نحو 7.9 نسمة/كم2 وذلك نتيجة لاتساع مساحتها البالغة حوالي 2.25 مليون كيلومتر مربع من جهة، ومن جهة أخرى قلة عدد سكانها البالغ 16.9 مليون نسمة.
ومن (جدول الكثافة السكانية العامة في مناطق المملكة العربية السعودية (1992) نسمة / كم2)، و (خريطة توزيع الكثافة السكانية)، يتضح اختلاف الكثافة السكانية من منطقة إلى أخرى، وبالتالي، يمكن تقسيم مناطق المملكة الإدارية حسب كثافتها السكانية إلى المجموعات التالية:
أ. مناطق عالية الكثافة
وتضم المناطق، التي تزيد فيها الكثافة عن 20 نسمة/ كم2 ويمثلها ثلاث مناطق هي: جيزان، ومكة المكرمة، والباحة، وتصل كثافتها السكانية إلى 55.8، 32.9، 31.1 نسمة/ كم2 على الترتيب، ويرجع ذلك إما إلى صغر المساحة وزيادة السكان، فضلاً عن توافر المقومات الطبيعية من مناخ معتدل، وموارد مياه، وتربة صالحة للزراعة، وخلوها من الأراضي الصحراوية كما هو الحال في جيزان والباحة، أو إلى أنها تضم مدناً هامة في المملكة، تتسم بثقلها الوظيفي، مثل: مكة المكرمة، جدة، والطائف.
ب. مناطق متوسطة الكثافة
وتمثلها المناطق، التي تراوح كثافتها بين 10 ـ 20 نسمة/ كم2 وتضم مناطق عسير، والقصيم، والرياض فتبلغ الكثافة السكانية في عسير 17.1 نسمة/ كم2 وفي القصيم 13.9 نسمة/ كم2 وفي الرياض 10.8 نسمة/ كم2ويرجع ذلك إما إلى المناخ المعتدل، ووفرة الموارد المائية، والأراضي الزراعية كما هو الحال في المنطقتين الأولى والثانية، أو إلى كبر المساحة في المنطقة الثالثة.
ج. مناطق مخلخلة السكان
وتشمل مناطق المملكة السبع الباقية، وتقل الكثافة فيها عن 10 نسمة/ كم2 ويرجع ذلك إما إلى كبر المساحة، كما في المنطقة الشرقية، إذ تمثل مساحتها 36.1 % من إجمالي مساحة المملكة، أو إلى قلة السكان، كما في منطقة المدينة المنورة، أو إلى ارتفاع الحرارة، وزيادة المساحة الصحراوية، وقلة الموارد المائية، والموقع المتطرف كما في باقي المناطق الإدارية الأخرى.
3. التركيب النوعي للسكان
ويعني تركيب السكان، من حيث نسبة الذكور والإناث إلى جملة السكان، ومن (جدول توزيع التركيب النوعي بمناطق المملكة العربية السعودية (1992))، تضح أن نسبة الذكور من السكان السعوديين تتساوى إلى حد كبير مع نسبة الإناث منهم، إذ بلغت لكل منهما 36.7%، 36% على التوالي، أما السكان غير السعوديين فيمثل الذكور أكثر من ضعف الإناث، بمعنى أن تدفق الهجرة الخارجية إلى المملكة يوجد اختلافاً ملحوظاً في نسبة كل من الجنسين إلى جمالي سكان المملكة، وهذه الاختلافات في صالح الذكور وهو أمر طبيعي، إذ تعتمد القوى العاملة على الذكور أكثر منها على الإناث. لذا يلاحظ أن أكثر من نصف سكان المملكة ذكور، وتبلغ نسبتهم حوالي 56% من جملة السكان مقابل 44% من الإناث.
ولما كان هناك تفاوت قي قوة جذب مناطق المملكة أو مدنها للمهاجرين، وفي قوة طرد بعض المناطق لشبابها، وجد اختلاف كبير في نسبة كل من الجنسين بين المناطق، بحسب كونها مناطق جذب أو مناطق طرد بشري، أو أنها تقوم بالعملية في آن واحد، فترتفع نسبة الذكور، إذا تغلّبت قوى الجذب على قوى الطرد، وتنخفض إذا حدث العكس.
وعلى أساس المتوسط العام لنسبة الذكور(65%)، ومن الجدول السابق، و (خريطة توزيع السكان حسب نسبة الذكور)، يمكن تقسيم المملكة إلى ثلاث مجموعات هي:
أ. مناطق تزيد على متوسط المملكة
وتضم ثلاث مناطق، هي المنطقة الشرقية (58.1 %)، والرياض (56.3 %)، وتبوك، (56.3%) ويرجع ذلك إما إلى تزايد المشروعات العمرانية والاقتصادية كما في المنطقة الشرقية والرياض، فهما من أهم مناطق التنمية الرئيسية في المملكة، أو إلى صغر المساحة والموقع المتطرف، مما يقتضي وجود الشباب غير المتزوجين كما في تبوك.
ب. مناطق تتساوى مع متوسط المملكة
وتشمل ثلاث مناطق، هي مكة المكرمة، والقصيم، والحدود الشمالية، وشهدت هذه المناطق مشاريع للتنمية الاقتصادية، لكن بنسبة أقل من مناطق المجموعة السابقة، إضافة إلى زيادة أعداد السكان كما في منطقة مكة المكرمة أولى مناطق المملكة في عدد السكان.
ج. مناطق تقل عن متوسط المملكة
ويمثلها المناطق السبع الباقية، وفيها تنخفض المشروعات الاقتصادية، ومعظمها مناطق تتسم بعائدها البسيط، مما يدفع شبابها للهجرة للعمل في مناطق أخرى ذات عائد أكبر.
[1] يشمل هذا العدد السكاني حوالي 2.5 مليون بدون جنسية.