ج. مملكة البدائيات Monera
تضم هذه المملكة الحيوية أبسط الأحياء في تركيبها الخلوي وأقلها تعقيداً. وتختلف الأحياء المشمولة بهذه المملكة عن جميع الأحياء في الممالك الأربع الأخرى، تبعاً للتقسيم الخماسي للمالك الحيوية، في تركيبها الخلوي اختلافاً جوهرياً. وقد أدى هذا الاختلاف ببعض التقسيمات الحديثة للأحياء أن تجعل هذه المملكة في مجموعة لوحدها ويطلق عليها بروكاريوتا Prokaryotes وتجعل، بالمقابل، الممالك الأربع الأخرى وهي، المملكة النباتية، والمملكة الحيوانية، ومملكة الفطريات، ومملكة الأوليات كلها في مجموعة واحدة وتطلق عليها يوكاريوتا.
والبدائيات مخلوقات حية وحيدة الخلية تشمل البكتيريا Bacteria، والبكتيريا الزرقاء Cyanobacteria، ولكن خلية البدائيات ليس لها نواة واضحة، ولا أورجانيلات محاطة بأغشية تميزها عن باقي محتويات الخلية. وليس لها إلا خاتم صغير من الحامض النووي في مادتها الجينية، وتتكاثر تكاثراً لا تزاوجياً. وقد شاع في الآونة الأخيرة بين العلماء التفريق بين مجموعتين من البدائيات يوبكتيريا Eubacteria، وآركيبكتيريا Archaebacteria أو آركايا Archaea (انظر شكل أقسام مملكة البدائيات) كما تسمى إختصاراً.
اقترح عالم البيولوجيا الأمريكي هربرت كوبلاند Herbaert Copeland سنة 1932 أن تصنف الأحياء البدائية التي ليس لخليتها نواة في مملكة خاصة بها أطلق عليها مملكة البدائيات Monera، ثم صار يطلق على هذه الأحياء لاحقاً بروكاريوتا. وصنفت جميع أنواع البكتيريا ضمن هذه المملكة. ثم دعا عالم الميكروبيولوجيا الأمريكي كارل ووز إلى التفريق بين مجموعتين داخل هذه المملكة مميزاً ما أطلق عليه أركايا عن باقي أنواع البكتيريا، بناءً على الاختلافات الفسيولوجية والبنائية بين هذه الأحياء. وتمتاز بكتيريا الأركايا بأنها لا تحتاج الأكسجين لكي تعيش anaerobic، كما أنها لا تعيش إلا في نطاق ضيق جداً في البيئات الشديدة التطرف في ظروفها كالارتفاع الشديد في درجات الحرارة temperature، وارتفاع الملوحة Salinity والحموضة acidity. وبالمقابل تعيش البكتيريا في الكثير من البيئات المتباينة في ظروفها بدرجات حرارة وحموضة مختلفة، وسواء توفر الأكسجين، أو لم يتوفر.
يراوح قطر الخلايا الصغيرة للبدائيات بين 0.0001 و0.003 من المليمتر. ومعظم الأنواع تكون خلاياها محاطة بغلاف خارجي. وداخل هذا الغلاف الخارجي توجد البلازما Plasma. ثم في وسطها سيتوبلازما Cytoplasm وهو سائل غني بالأملاح المذابة والمغذيات والأنزيمات. وفي هذا السائل يوجد أيضاً الحمض النووي على شكل جزيء واحد يسبح بحرية في حلقة مغلقة في سائل سيتوبلازم. وتكوّن بعض أنواع البدائيات أبواغاً داخلية endospores، محاطة بأغشية خارجية سميكة، جافة مما يمكنها من تحمل الجفاف الشديد، وتحمل درجات الحرارة العالية، أيضاً، لمدة طويلة من الزمن، مثل البكتيريا المسببة لمرض الأنثراكس Anthrax، وتلك المسببة للتيتانوس (الكزاز) tetanus. بعض المخلوقات البدائية سوطية مما يمكنها من التحرك مستخدمة زوائدها السوطية. قد يقتصر وجود هذه الزوائد على زائدة سوطية واحدة في جانب من الخلية وقد تكون مجموعة من الزوائد في جانب واحد من الخلية، وقد تتوزع على قطبين متقابلين من الخلية.
تحصل البدائيات على العناصر اللازمة لتغذيتها كالطاقة، والكربون من عدة مصادر. فالبدائيات ذاتية التغذية تستمد الطاقة من الضوء. وتستمد بكتيريا التربة مثلاً، الطاقة من مركبات غير عضوية مثل سلفات الهيدروجين hydrogen sulfide، والأمونيا amonia، والحديد iron. وتستمد البكتيريا عضوية التغذية (رميَّة التغذية) غذائها من مصادر عضوية فتحصل منها على الجلوكوز مثلاً.
يظن العلماء، بناءً على شواهد حفرية قديمة، وبناءً على استنتاجات علمية، أن البدائيات هي أقدم أشكال الحياة على الأرض. ويقال أن بكتيريا الأركايا وجدت على الأرض منذ ما يقرب من 3.5 بليون سنة، وإذا علمنا أن الجيولوجيين يقدرون عمر الأرض بحوالي 4.5 بليون سنة، فإن هذا النوع من الخلايا الحية وجد بعد تكون الأرض بحوالي بليون سنة، في مياه شديدة الحرارة، وقد لا يتوفر بها الأكسجين.
يربو عدد أنواع المخلوقات الحية المعروفة في مملكة البدائيات على عشرة آلاف نوع. ولهذه المخلوقات رغم صغر حجمها أهمية كبيرة في النظام الحيوي على الأرض، وأثر كبير على حياة جميع الأحياء عليها بما فيها الإنسان. ولكن هذه الآثار ليست دائماً إيجابية، فمن هذه المخلوقات البدائية ما يسبب الأمراض.
تسهم هذه الأحياء في إتمام دورة النيتروجين في الغلاف الحيوي، عن طريق تثبت مركبات النيتروجين في التربة بشكل يستطيع النبات وباقي الأحياء الاستفادة منه في غذائها. والمعروف أنه رغم توفر النيتروجين في غازات الغلاف الغازي بنسب كبيرة إلا أن النباتات لا تستطيع امتصاصه من الغلاف الغازي مباشرة. ولا تتمكن من امتصاصه إلا بعد أن تثبته المخلوقات البدائية في نطاق امتداد الجذور في التربة بشكل يمكنها من امتصاصه.
إن قيام الأوليات بعملية التمثيل الضوئي واعتمادها على التغذية الذاتية يجعل لها أهمية بالغة في ناحيتين. أولاهما أنها تسهم بقدر لا يمكن تجاهله من إنتاج الأكسجين في الغلاف الغازي. وخاصة في الطبقات السفلي منه. وثانيهما أنها تشكل مصدراً غذائياً مهماً للأوليات غير ذاتية التغذية فهي بهذا تسهم في تخزين الطاقة الشمسية وانتقالها من مستوى غذائي إلى آخر في الهرم الغذائي.
من البدائيات ما يصيب الإنسان بأمراض خطيرة مثل التهاب الرئتين Pneumonia، ومرض السفلس syphilis، والسعال الديكي Wooping Cough وغيرها من الأمراض. كما أن لبعض أنواعها أهمية صناعية وطبية في إنتاج بعض العقاقير والمضادات الحيوية. كما أن لها أهمية في معالجة مخلفات الصرف الصحي. ولكن نظراً لصغرها المتناهي وضعفها فإن زيادة الأشعة فوق البنفسجية في البيئة الأرضية الناتج عن تلاشي طبقة الأوزون قد يهدد بعض أنواعها.