انتهى عهد بني أمية ليحل محلهم العباسيون في حكم العالم الإسلامي. لقد طرح العباسيون شعارات ووعودًا في مرحلة الدعوة   بهدف استقطاب الجماعات والبيئات الناقمة على الأمويين، فوعدوا الأمة بتحولات أساسية في ميدان الاهتمام بشؤون الرعية قاطبة. ولم تشهد اليمامة ونجد عمومًا تطورات وإنجازات في ظل الحكم الجديد تجعلنا نقول إن المنطقة دخلت في دائرة الاهتمام والرعاية المباشرة بشكل أكبر من ذي قبل. لقد سارت الخلافة العباسية على سنن سابقتها (الأموية) في إهمال بعض الأقاليم وعدم الاكتراث بها، ومن أبرز تلك الأقاليم (اليمامة) على الرغم من قربها من خطوط المواصلات مع جنوبي العراق إقليم الخلافة العباسية الرئيس. ولم تكن اليمامة ممثلة في مدينتيها الرئيستين (حجر) و (الخضرمة) من مراكز الدعوة العباسية، مع أن هناك عوامل جغرافية ترشح هاتين المدينتين لذلك، حيث البعد عن دمشق والعزلة الجغرافية، علمًا أن العباسيين في مرحلة الدعوة وما تلاها، استقطبوا رجالاً ينتمون إلى قبائل المنطقة، مثل: مصعب بن قيس الحنفي وأبي عبيدة محمد بن عبدالله الحنفي 

 

بدأ العباسيون نشاطهم في الإقليم بإزالة بقايا النفوذ الأموي في اليمامة، إذ قُضيَ على المثنى بن يزيد بن عمر بن هبيرة آخر ولاة بني أمية على يد إبراهيم بن حسان السلمي  .  وقد ارتبطت اليمامة في بداية الحكم العباسي بولاية الحجاز، وكانت مشمولة بولاية داود بن علي الذي توفي بالمدينة في شهر ربيع الأول عام 133هـ / 751م قبل أن يقضي العباسيون على المثنى بن يزيد (الوالي الأموي)، وهو ما تحقق في أثناء ولاية زياد بن عبيد الله بن عبدالمدان الحارثي، إذ وجد إبراهيم بن حسان السلمي وهو أبو حماد الأبرص الذي قتل المثنى بن هبيرة وأصحابه، ولا توجد معلومات تؤكد تولي إبراهيم السلمي اليمامة، أم غيره. وأصبحت اليمامة ولاية مستقلة، وممن تولاها أمراء من البيت العباسي نفسه ومنهم السري بن عبدالله بن الحارث بن العباس وقثم بن العباس بن عبدالله  ،  كما تولاها قادة عباسيون منهم بشر بن المنذر البجلي وسويد بن أبي سويد، القائد الخراساني  .  ولعل تولي قادة عسكريين هذه الولاية، يعكس رغبة الدولة العباسية في ضبط الأمن في تلك الناحية، وملاحظة سلوك القبائل والحيلولة دون أن تتحول اليمامة إلى بؤرة للقلاقل الأمنية أو أن ينشط فيها العلويون المناهضون للحكم العباسي.

 

وفي عهد الرشيد 170 - 193هـ / 786 - 809م طرأ تحول على وضع اليمامة الإداري  ،  إذ أصبحت مع البحرين والبصرة والأهواز وفارس وعمان، ولاية واحدة تولاها محمد بن سليمان بن علي بن عبدالله بن عباس. وهكذا جمعت الولايات التي تحف بالخليج في ولاية واحدة، وتم توحيد السياسات الأمنية، وتعبئة قوات الولايات، لمواجهة العابثين وقطاع الطرق. ويشير بعض المؤرخين إلى عبث الأعراب بالأمن في البوادي الواقعة بين البحرين والدهناء حيث قطعوا الطرق وأضرُّوا بأمن العابرين والمسافرين  ،  ولذلك أصبحت مواجهة هذه القوى تتطلب وحدة جهود مسؤولي الولايات، لكن الأمر في الواقع يتوقف على قدرات الوالي واهتماماته، وقد تكرس ارتباط اليمامة الإداري بولاية البصرة وكور دجلة. ففي عهد المأمون تقلد داود بن ماسجور أعمال البصرة وكور دجلة واليمامة والبحرين  .  وفي عهد الواثق عقد إسحاق بن إبراهيم بن أبي حميضة مولى بني قشير (من أهل أضاخ) على اليمامة والبحرين وطريق مكة - البصرة  .  ويرى حمد الجاسر، وهو يستعرض أسماء ولاة العباسيين على اليمامة، أن كثيرًا من الولاة - في العهد العباسي خصوصًا - ما كانوا يباشرون أعمال الولاية في اليمامة، وأن كثيرًا من خلفاء بني العباس ما كانوا ينظرون إلى تلك البلاد نظرة تدفعهم إلى الاهتمام بشأن ولايتها. ولهذا فكثيرًا ما يعقدون لأحد الشعراء، أو المقربين لديهم بولاية تلك البلاد مثلما حدث للشاعر مروان بن أبي الجنوب، إذ عقد له المتوكل على البحرين واليمامة لقاء شعر قاله 

 

لم تكن تلك النظرة وليدة القرن الثالث، مع ازدياد هيمنة الحرس التركي على مقاليد البلاد والعباد في سامراء، بل إننا نجد في الأخبار المروية عن هارون الرشيد - رحمه الله - ما يدل على ذلك. يرى القفطي أن الرشيد قال عن محمد بن زياد بن عبيد الله لما أنشده شعرًا: "كنت أرعى له حق خؤولته، وأحدّث نفسي أن أوليه اليمن ثم أقول اليمن لها قدر ولكن أوليه اليمامة، فإنها بلد عربي وهي شبيهة باليمن وأمتحنه باليمامة، فإن وجدت عنده ما أحب دفعته إلى اليمن، فلما أقام نفسه مقام الشعراء سقط من عيني"  .  وفي الخبر ما يدل على أن اليمامة أصبحت ولاية هامشية يكتشف من خلالها قدرات الأشخاص المرشحين لإدارة ولايات أهم.