تعرف على القصائد الشعبية القديمة في منطقة الباحة في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
تعرف على القصائد الشعبية القديمة في منطقة الباحة في المملكة العربية السعودية

تعرف على القصائد الشعبية القديمة في منطقة الباحة في المملكة العربية السعودية.

 
- العرضة ومحاوراتها:
 
مما يجدر ذكره هنا أن قصائد العرضة في منطقة الباحة تعتمد في الغالب على الجناس التام، ويُسمى في المنطقة بـ (الشقر)، وكأن الكلمة تشبه العصا التي يتم شقرها أي قسمتها إلى قسمين متماثلين، و (الشقر) يعني تماثل اللفظ واختلاف المعنى، وهذا يحتاج إلى حصيلة لغوية كبيرة، وإلى قدرة على تطويع الكلمة وإجراء تغيير في لفظها لتوافق ما يذهب إليه الشاعر من جناس، وعناية بعض الشعراء بهذا الجانب قد تؤثر في تركيزه على المعنى، وعلى ما يريد الوصول إليه من أفكار. ويوجد بعض القصائد التي تعتمد على الجناس الناقص، وهو تماثل حرف أو حرفين في آخر البيت. وحرف الروي في الشعر العربي هو الحرف الذي ينتهي به البيت في القصيدة، وتكون القصيدة على حرف رويٍّ واحد مثل الباء في قصيدة أبي تمام:
 
السـيفُ  أصـدقُ إِنبـاءً مـن الكتبِ     فـي  حـدِّهِ الحـدُّ بيـن الجدِّ واللعبِ
أما في شعر العرضة فلكل بيت رويه الخاص، ويُسمى (القارعة)، فقد يكون الأول على حرف الراء، والثاني على حرف القاف، والثالث على حرف العين... وهكذا. وعلى الشاعر المنافس أن يسير على الترتيب الحرفي والصوتي نفسه الذي بدأه الشاعر الذي أسس القصيدة ووضع روي كل بيت (أو القارعة كما تُسمى محليًّا)، وعليه عدم تكرار أي كلمة تم استخدامها في آخر بيت من الأبيات، وإذا فعل ذلك يُقال له: (خالفت القارعة) أو (وطيت في القارعة) ويُسمى عند علماء العروض بـ (الإيطاء) وهو أن يستخدم الشاعر كلمة في آخر البيت أكثر من مرة في قصيدته، ويُعد من عيوب الشعر خاصة إذا تم التكرار قبل مضي عدد كبير من الأبيات. وسوف نورد فيما يأتي بعض قصائد البدع وقصائد الرد التي قالها بعض الشعراء القدماء مع شرحها.
يقول الشاعر محمد بن غرم الله الثوابي الزهراني المشهور بـ (ابن ثامرة) بمناسبة ختان عبدالكريم بن مساعد بن رقوش عام 1334هـ/ 1916م:  
 
(البدع)
يا سلام الله على راشد، وشوره حكَّمَهْ حِكَّام
حِنْ مضى ساحل يَبَهْ دنَّتْ هياج الراك وهشيمَ اثله
واسلم اهل القوز والجمعةْ وبدوانٍ بجنبها
يوم زاعوا قوم سيدنا كما البحرْ المهوَّلِ
بالمكاين والقُللْ ومعابر الميزر ومصقول الحد
علَّه أي يظهر بها الاسلام والباطل يَقَمَّعهْ
باحت الشهبات من وادي حلي مُرتَه غدا شاعيبا
ونْعِمْ بو فيصل وتالي الناس لا نمدح ولا نْسِبّ
 
(الرَّد)
كمْ مضى قُدَّم راشد من مراشيدٍ ومن حُكَّام
غير راشدْ لو تجي حتى
الحصى بالناسْ ما شي مثله
له رشاده تغلبْ الشيخان وش ودِّك يَجنبها؟
أولتها رحمته تسبق غضب قلبَه وهو ولي
واما الثاني لو يجي عشرين حذافه لنَفْرٍ واحدْ
ما صفا عقله مع العشرين والواحد يَقُمْ معه
داعيةْ لحلاف وبني يوس وبني عُمْر والشاعيبا
في وقار آبوه واجداده كما اخوانه من النسب
 
معاني الكلمات:
 
(1) ساحل يبه: مكان في تهامة. (2) هياج الراك: شجر الأراك الأخضر. (3) هشيم اثله: ما يبس من شجر الأثل وتهشم. (4) زاعوا: تحركوا للسفر. (5) المكاين: الرشاشات، والقلل: المدافع، والميزر: البنادق. (6) حذافة: الذين يرمون بالحجارة.
 
ويقول علي جماح   بمناسبة وصول وفد من زهران إلى (بلجرشي) بسبب (جمل الأزهري) الذي أخذه الجنود العثمانيين أثناء مرورهم بقرية (الأزاهرة)، وفي المعركة التي دارت بين قبائل زهران والجنود العثمانيين في (رهوة البر) استطاع المحاربون من زهران أخذ ذلك الجمل غنيمة، ولكن الأزهري قام بأخذه خفيةً فيما بعد، وقصته مشهورة في المنطقة، وقد كان ذلك في عام 1321هـ/1903م.
 
(البدع)
أول آلقوال صلوا عالنبي ذا حل ف ارض الشام
مرحبا واهلين بك يا راس قومٍ قالته يوفيها
جرَّبْ المعروف والمنكر وستر الله يجرِّبه
يا غبوني غبن يتعبني لغامدْ لا غدو قيوف
أما ما جاكم لذا القومه فيجملكم وما كانت له
واشهد انّ البيض منى فالكم ما لامكم لِيَّام
واتشلّ على عُمد من كل خمسْ وكل تاسعه
 
(الرد)
يالله إنك ولَّها عدلٍ ولا ولِّيتها غُشّام
الغشيم آهو يشبّ النار وآهو يا تردَّى فيها
والغشيم آهو يحط الحبل في حلقه يجَرَّ به
والغشيم إذا اشتهى والله ليغدْ اعمى وهو يشوف
والغشيم يركب الحجة على نفسه وهي كانت له
والغشيم يقلِّبْ ايامه ليالي والليالي ايام
والغشيم آهو يقصِّف خاطره والناس في سعهْ
 
معاني الكلمات:
 
(1) رأس قيف: القيف الجماعة، ويقصد الوفد القادم من زهران، وجمعها قيوف أي جماعات كما في البيت الثالث. (2) الغشيم: الجاهل. (3) كل خمس وكل تاسعه: كانت (لفة) القماش الأبيض إما خمسة أمتار أوتسعة أمتار. (4) يقصف خاطره: يضيق صدره.
 
المعنى العام:
 
في البدع (وهو القصيدة الأولى) يبدأ كلامه بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم الذي حل في أرض الشمال، وكان سكان الباحة - ولا يزال بعضهم إلى الآن - يسمون الجهات الأصلية بالتسميات التالية: الشمال: الشام، الجنوب: اليمن، الغرب: البحر أو بحْرَى، الشرق: الشرق أو شرْقَى. ثم يرحب بالوفد ويلتمس العذر لمجيئهم للمطالبة بجملهم، ويشعر بالغبن لتفرق قبائل غامد إلى جماعات، ويرفع الراية البيضاء للقادمين، كناية عن تكريمهم ومدحهم.
 
أما في الرد فيسأل الله أن يولي الحكم من يقوم بالعدل، ولا يكون ظالمًا، ولا جاهلاً لأن الجاهل يشعل الفتنة، ويكون هو من أُولى ضحاياها، والجاهل يضع الحبل في عنقه ليتم جره به، كناية عن أنه يقيم الحجة على نفسه، والجاهل يتحول إذا رغب إلى أعمى فاقد للبصيرة على الرغم من أنه يملك البصر، وهو يجعل صدره ضيقًا حرجًا على الرغم من أن الآخرين يتمتعون بصدور واسعة إذ يديرون الأمور بروية وحكمة.
 
 الشعر الشعبي المعاصر
 
توجد مجموعة من الشعراء الشباب الذين جـمعوا بين الثـقافة والعلم والمقدرة الشعرية القوية، ويأتي في مقدمتهم كـلٌّ من: عبدالواحد بن سعود الزهراني، وعبدالله بن عيضة البيضاني، وصالح بن عبدالله اللخمي، وإبراهيم بن محمد الشيخي، وهذال، وأبو علاج، وابن شرف، وعلي خميس البيضاني... وغيرهم.
 
يقول الشاعر عبدالواحد بن سعود الزهراني بمناسبة مرور مائة عام على بدء توحيد المملكة العربية السعودية:  
 
يا بلادي فالك النصر المُبينْ وعزّْ مِيةْ عَام
فالك التوحيد والمجد التليد وراية ما تندثْ (1)
راية اللون الخَضَر والسيف الملح والشهادتين
رفرفت وازهقْ بها عبدالعزيز ارواح جيش الباطل
وارتفع صوت البشير: النصر للهْ ثم لآلْ سعود
والجزيره رددتْ لبيك ياحيّ الندا والداعي
واحنا في زهران لبينا لبو تركي وبايعناه
مسلمين مسالمين معاهدينه بالولا والطاعه
ما رفعنا رمح في وجه الإمام ولا شهرنا سيف
واحنا من قدامها بايام كنا نحتفل ونعيِّدْ
ربعنا لما قتل عجلان كانو في صفا عجلان (2)
كانوا يتساقون كاس الموت هم والمستبد التركي
بالسيوف وزمهريات الرماح وباشهب البارود
ليت لك مبدا على ارضٍ بالدم الحنان صبغناها
ولا فرحة خيلٍ اطلقها الرعاع وقادها الفُرَّاس
يومها كان السما ما هو سما والارض ما هي بارضا
يومها غاب الشفق حتى نسينا صورة الشفق
يومها عرش السلاطين ارتجف حتى بدا ينهارا
طالته يدنا في اسطنبول واحنا في شفا زهران
يومها ما زاحم اسراب النجوم الا جباهنا
 
معاني الكلمات:
 
(1) تندث: تُهان وتُهمل. (2) صفا عجلان: موقع شمال مدينة الباحة دارت فيه معارك بين قبائل زهران وفلول الجيش العثماني في عام 1319هـ/1901م وهي السنة نفسها التي استعاد فيها الملك عبدالعزيز مدينة الرياض.
 
(الرد)
رغم من يحسد ومن يحقد ومن يجحد ومن يتعام
رغم طلقات الرصاص اللي تعناقها الظروف وتندث
رغم حكم القاضي اللي ما يَقَاضَى والشهادتين
العرق والطيب ما تلقاه في وجه الخمول الباطل
والسعاده لغز من يبدي لها حظَّه ويبن سعود
كلها من ساعة الميلاد حتى ساعة الوداعي
من هو اللي فاردٍ للعمر جلبابه وبايعناه
الهموم سيوف ما تقتل ولكن شفتها قطَّاعه
ترتعش مثل ارتعاش الموج ما بين البحر والسيف
الزمان يجدد احداثه وحنا نجبره ونعيد
ما جعلنا الحزن يذرف في دموعه والصفا عجلان
اسمنا معزوفةٍ ما كل من غنى يَصبْ غناها
واسمنا مثل النمر والنمر سبعٍ ضاريٍ فرَّاسْ
من يخاف من الزمان وقال ما باضيق والا بارضا
لبِّسه ثوب الستر حتى يزول الخوف والشَّفق
لا قلنا زهران تنشق الصخور وتبحر الانهارا
اسمنا يبقى على بيض الثنايا والشفق زهران
واسمنا نصرٍ يحالف كل جبهه من جباهنا
 
مظاهر الثبات والتغير
 
استفادت بعض الرقصات الشعبية - وبخاصة العرضة - من المنتجات الحديثة مثل مكبرات الصوت، والكهرباء، وقصور الأفراح، وأجهزة التسجيل المرئي والمسموع، ومن أجل ذلك أصبحت العرضات - التي تكثر في الصيف لكثرة الأفراح والمناسبات - من أهم عوامل الترفيه وقضاء وقت الفراغ إذ يُقدَّر الحضور بالمئات وأحيانًا بالآلاف، وخاصة عندما يكون في الحفل شعراء مرموقون ولهم سمعة وشهرة واسعة. ولقد تراجعت بعض الفنون مثل الملعبة والمسحباني، وإن كانت توجد جهود لإحيائها من قبل بعض الشعراء مثل عبدالله البيضاني، وبعض الأهازيج اختفت باختفاء المناسبات التي كانت تُردَّد فيها، وقلَّ استخدام طَرْق الجبل واللبيني والهرموج لقلة من يجيد تلك الألحان وقلة ممارستها، فقد كانت تُمارَس في الجبال وعند رعي الأغنام في الأودية والشعاب، وهي أمكنة قلَّ أن يقضي الناس وقتًا بها الآن، وإذا قضوه فإنهم يكونون في عجلة من أمرهم.
 
شارك المقالة:
331 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook