على الرغم من أن قضية فريق العمل الحكيم ، التي طرحها الكاتب والمؤلف James Surowiecki في كتابه المسمى “The Wisdom of Crowds” أو “حكمة الجماهير” تبدو بديهية؛ فالرجل يقول إن جماعة كبيرة من الناس غالبًا ما تكون أكثر ذكاءً وحكمة من قلة من الخبراء، خاصة إذا تعلق الأمر بحل مشكلة، أو اتخاذ قرار ما، أو التنبؤ بالمستقبل، أو ما يتعلق بالإبداع والابتكار، إلا أنها طُرحت في عصر تطغى فيه قيم الفردانية، والنهم الشديد بالذات وأمورها الشخصية.
لذلك؛ فإن هذه الفكرة «حكمة الفريق» اُعتبرت ثورية، وأثارت موجة عارمة من الشد والجذب، ولنتذكر أن James Surowiecki يقف ضد تيار عريض يرى أن ثمة علاقة لا تنفصم عُراها بين اللاعقلانية والحشود، ولنتذكر هنا جوستاف لوبون وكتابه “سيكولوجية الجماهير” وصولًا إلى ريتشارد وولين؛ صاحب كتاب “غواية اللامعقول”.
باختصار، يمكن القول إن حكمة الجمهور التي يطرحها James Surowiecki هي محاولة لإعادة التفكير في أمر العمل الجماعي، أو العمل ضمن فريق.
ولكي يثبت James Surowiecki فكرته البديهية والمحورية في الوقت ذاته، راح يستقصيها في العديد من المجالات والاختصاصات المعرفية المتنوعة؛ لكي يؤكد أن المجموعات الكبيرة اتخذت قرارات صائبة سواء في الثقافة الشعبية، أو علم النفس، وعلم الأحياء، والاقتصاد السلوكي، وغيرها من المجالات.
ولعل أهم مجال من المجالات التي تظهر فيها فعالية الفريق هو أسواق المال؛ فإن الاستعانة بآراء مجموعة كبيرة ومتنوعة من الناس تساعد في التنبؤ الصحيح بما ستكون عليه السوق، في المستقبل القريب أو البعيد.
لنفترض أنك الآن مديرًا أو قائدًا لأحد فرق العمل، فهل يجب عليك أن تنصاع لرأي الأغلبية طالما أن الفكرة الأولية تقول: إن الحشد دائمًا حكيمًا؟
في الواقع، إن فعلت ذلك فستودي بالمؤسسة التي تعمل لصالحها، وستوردها موارد الهَلَكة؛ فلكي تنصاع لرأي حشد ما يجب عليك أولًا أن تتأكد من أنه حكيم، ومن نفاذ بصيرته.
وكانت هذه الفكرة _اشتراط حكمة الحشد_ إحدى الأفكار النيرة التي طرحها “James Surowiecki”؛ محاولًا من خلالها الخروج من المأزق النظري الذي وضعه فيه بعض المفكرين السابقين والذين نددوا بفكرة الحشد على غرار جوستاف لوبون وريتشارد وولين.
لكن كيف لنا أن نعرف أن هذا الحشد/ فريق العمل حكيمًا؟ يتميز فريق العمل الحكيم، وفقًا لـ James Surowiecki، بعدة خصائص؛ أبرزها: التنوع في الآراء؛ ففريق العمل الذي يجب أن ينصاع المدير لرأيه لا يعزف على لحن واحد، بل هو فريق متعدد الآراء، متنوع الرؤى، وهذا ما يضفي على أفكاره ثراءً وتميزًا.
ناهيك عن كون كل فرد من أفراد هذا الفريق يتمتع بقدر كبير من الاستقلالية، ولا يخضع أو يتأثر بآراء وتصورات من حوله، بالإضافة إلى أن لدى كل فرد من الفريق القدرة على إبداء رأيه بحرية تامة ووفقًا للطريقة التي يرتئيها هو صحيحة ومناسبة، وأخيرًا، يجب أن يكون فريق العمل الحكيم قادرًا على الخروج برأي جماعي واحد من بين كل هذه الآراء المتنوعة والمتعددة، وأن يكون متفقًا عليه من الجميع أيضًا.