حب الدنيا والتعلق بشهواتها سبب للصدود عن الدعوة

الكاتب: المدير -
حب الدنيا والتعلق بشهواتها سبب للصدود عن الدعوة
"حب الدنيا والتعلق بشهواتها سبب للصدود عن الدعوة

 

إن حب الدنيا والتعلق بشهواتها هو ما منع كثيراً من الناس من الإيمان، خوفاً من بطلان مأكلهم وأموالهم التي تصير إليهم، وقد كان كفار قريش يصدون الرجل عن الإيمان بحسب شهوته، فيدخلون عليه منها، فكانوا يقولون لمن يحب الزنا والخمر: إن محمدا يحرم الزنا والخمر[1]، فقوة داعي الشهوة في نفوسهم، مع ضعف داعي الإيمان، يدفعهم إلى إجابة داعي الشهوة[2].

 

ولأجل استيلاء حب الدنيا وشهواتها على قلوبهم، أعرضوا عن الدين، واختاروا الحياة الدنيا ومتاعها، ومعاصي الله فيها، على طاعة الله وما يقربهم إلى رضاه من الأعمال النافعة في الآخرة، ولا يكتفون بصد أنفسهم، بل يمنعون من أراد الإيمان بالله واتباع رسوله من ذلك، ويلتمسون سبيل الله بالتحريف والتبديل بالكذب والتزوير[3]، وقال الله تعالى فيهم ? الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا ? [4]. فهذه الآية الكريمة تتضمن وصفا لشدة موقفهم الجحودي، وانهماكهم بالدنيا، وما كانوا يبذلون من سعي في صد الناس عن الدعوة وعرقلتها، وحيلولتهم دون استجابتهم لدعوة الحق[5].

 

فلصوقهم الشديد بشهوات الدنيا، وخوفهم من زوالها إذا أسلموا، صدهم عن سبيل الله، كما قال تعالى ? ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ? [6].

 

فاستحباب الحياة الدنيا على الآخرة، يصطدم بتكاليف الإيمان، ويتعارض مع الاستقامة على الصراط[7]، وليس الأمر كذلك حين تستحب الآخرة، لأنه عندئذ تصلح الدنيا، ويصبح المتاع بها معتدلا، فلا يقع تعارض بين استحباب الآخرة ومتاع هذه الدنيا، كما يقوم في الأخيلة المنحرفة، فتوجه القلب للآخرة لا يقتضي خسران متاع الحياة الدنيا، بل إن صلاح الآخرة في الإسلام، يقتضي صلاح الدنيا واستعمارها، والتمتع بطيباتها[8].

 

وقد ضل المشركون حين ظنوا أن ما يعطيهم الله من الأموال والأولاد، ومتاع الحياة الدنيا، لكرامتهم عليه ومعزتهم عنده، لكنهم أخطأوا في ذلك وخاب رجاؤهم، بل أنه تعالى يفعل ذلك، استدراجاً وإملاءً وإنظاراً[9]، كما قال تعالى ? أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ ? [10]، وقال? كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ? [11].

 

ومن مداخل حب الدنيا: التعلق بالأهل والأولاد والعشيرة، مما قد يوقع اضطراباً وانحرافاً وخللًا في نفس المؤمن، إذا بالغ في هذا التعلق، وقد يدفعه إلى الانحراف عن طريق الحق، كالزلَّة التي حصلت من حاطب رضي الله عنه، وكان دافعه إليها حب أهله وولده والخوف عليهم.




[1] أثناء إقامتي خارج البلاد برفقة زوجي قبل ثمان سنوات تقريبا، عرض التلفزيون البريطاني برنامجا تعريفيا عن الإسلام، فذكر في الحلقات الأولى منه-إلى جانب التعريف بنبي الإسلام صلى الله عليه وسلم- أن الدين الإٍسلامي يحرم الخمر والزنا، ويبيح للمسلم الزواج بأربع نساء، ويلزم النساء بالحجاب، ولم يبث من ذلك البرنامج سوى ثلاث حلقات ثم انقطع بثه، ويلاحظ الدس والكيد في التعريف بالدين الحق من خلال نشر ما يصطدم بشهوات الناس المنحرفة.

[2] بتصرف، مفتاح دار السعادة 1 /97.

[3] بتصرف، جامع البيان عن تأويل آي القرآن 13 /180.

[4] سورة إبراهيم عليه السلام آية 3.

[5] بتصرف، سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، صور مقتبسة من القرآن الكريم 1 /198.

[6] سورة النحل آية 107.

[7] وهذا السبب منع كثيرا من المسلمين من التقيد بأوامر الدين، حين يؤثر أحدهم متع الدنيا التي ألفها واستمرأها على طريق الاستقامة ويصعب عليه مفارقة المنكرات والآثام والتعلق بالدنيا إلى ما يرضي الله تعالى.

[8] بتصرف، في ظلال القرآن 4/ 2086.

[9] بتصرف، تفسير القرآن العظيم 5/ 472.

[10] سورة المؤمنون الآيتين 55-56.

[11] سورة آل عمران آية 185.


"
شارك المقالة:
25 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook