لمّا فُرِضت الصّلاة في السّماء السّابعة، جاءت فرضيّتها على أنّها خمسون صلاةً، ثمّ خفّف الله على عباده لتصبح خمساً في العمل، وخمسين في الأجر، وقد وُزِّعت الصّلوات على أوقات النّهار والليل؛ لتشملها ابتداءً من الفجر، حتّى آخر أوقات اليوم؛ وقت صلاة العشاء، بعد غياب الشّفق الأحمر، ولأنّ صلاة العشاء من الفرائض الخمس؛ فإنّ أداءَها واجبٌ على كلّ مسلمٍ، وهي صلاةٌ رباعيّة تتكوّن من أربع ركعاتٍ، وهي من أحبّ الصّلوات وأكثرها أجراً؛ حيث جاء في الحديث الصّحيح قول المُصطفى صلّى الله عليه وسلّم: (مَن صلَّى صلاةَ العشاءِ والصُّبحِ في جماعةٍ فَهوَ كقيامِ ليلةٍ، وقالَ عبدُ الرَّحمنِ: من صلَّى العشاءَ في جماعةٍ فَهوَ كقيامِ نِصفِ ليلةٍ، ومن صلَّى الصُّبحَ في جماعةٍ فَهوَ كَقيامِ ليلةٍ)، ويدلّ ذلك على أفضليّة صلاة العشاء ومكانتها؛ فأداؤُها جماعةً يقوم مقام قيام نصف الليل، ومعلومٌ أنّ قيام الليل له من الفضل والأجر ما له.
أجمع العلماء على أنّ صلاة العشاء أربع ركعاتٍ؛ فهي من الصّلوات الرُّباعيّة، مثل: الظُّهر، والعصر، وهي صلاةٌ ليليّةٌ؛ تُؤدّى في الليل، وصلاةٌ جهريّةٌ؛ يجهر بها المصلّي في أوّل ركعتين منها، ويُسِرُّ في الرّكعتين الأخيرتين؛ سواءً كان إماماً أو مُنفرِداً، ويفصل بين ركعاتها الأربع بتشهُّدٍ أوسط بعد أن يصلّي ركعتين؛ حيث يجلس بعد نهاية السّجود من الرّكعة الثانية، ثمّ يُتِمّ الصّلاة حتّى يصل إلى الرّكعة الرّابعة، ثمّ يجلس للتشهُّد الأخير، ثمّ يسلّم.
للعشاء سُنّة راتبة بعديّة فقط، وليس لها سُنّة راتبة قبليّة، إنّما يجوز أن يُصلّي المسلم قبل العشاء ركعتي نافلةٍ أو سنّةٍ لها، غير أنّها غير لازمةٍ، فيُؤجَر إن صلّاها، ولا يأثَم إن تركها، وتُسمّى تلك السنّة بالسنّة غير الرّاتبة، ودليل ذلك ما رُوِي من قول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم؛ حيث صحَّ عنه قوله: (عشرُ ركعاتٍ كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ يداومُ عليهنَّ: ركعتينِ قبلَ الظّهرِ، وركعتينِ بعدَ الظّهرِ، وركعتين بعدَ المغربِ، وركعتين بعدَ العشاءِ، وركعتين قبلَ الفجرِ).
ذُكِر سابقاً عدد ركعات سنّة صلاة العشاء وفرضها، أمّا كيفيّة أدائها فهي مثل غيرها من الصّلوات الرُّباعيّة، مع فرق واحدٍ وهو ضرورة الجهر بالقراءة في الرّكعتين الأُولَيَين، كما يجب أن يتحقّق المصلي من توفّر الشّروط اللازمة لصحّة صلاته، وبيان كيفيّة أداء صلاة العشاء فيما يأتي:
ورد عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في وقت الصّلوات عموماً ما رواه جابر بن عبد الله رضي الله عنه؛ حيث قال: (جاءَ جبريلُ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حينَ زالتِ الشَّمسُ، فقال: قُمْ يا محمَّدُ، فصَلِّ الظُّهرَ، فقامَ فصلَّى الظُّهرَ، ثمَّ جاءَه حينَ كان ظلُّ كلِّ شيءٍ مِثْلَه، فقال: قُمْ فصَلِّ العصرَ فقام فصلَّى العصرَ، ثمَّ جاءَه حينَ غابتِ الشَّمسُ، فقال: قُمْ فصَلِّ المغربَ، فقام فصلَّى المغرِبَ، ثمَّ مكَث حتَّى ذهَبَ الشَّفقُ، فجاءه، فقال: قُمْ فصَلِّ العِشاءَ، فقام فصلَّاها، ثمَّ جاءه حينَ سطَع الفجرُ بالصُّبحِ فقال: قُمْ يا محمَّدُ فصَلِّ، فقامَ فصلَّى الصُّبحَ، وجاءَه مِن الغدِ حينَ صار ظلُّ كلِّ شيءٍ مِثلَه، فقال: قُمْ فصَلِّ الظُّهرَ، فقام فصلَّى الظُّهرَ، ثمَّ جاءَه حينَ كان ظلُّ كلِّ شيءٍ مِثْلَيْهِ، فقال: قُمْ فصَلِّ العصرَ، فقام فصلَّى العصرَ، ثمَّ جاءَه حينَ غابتِ الشَّمسُ وقتًا واحدًا لم يَزُلْ عنه، فقال: قُمْ فصَلِّ المغربَ، فقام فصلَّى المغربَ، ثمَّ جاءَه العِشاءَ حينَ ذهَب ثُلُثُ اللَّيلِ، فقال: قُمْ فصَلِّ العِشاءَ، فقام فصلَّى العِشاءَ، ثمَّ جاءه الصُّبحَ حينَ أسفَر جدًّا، فقال: قُمْ فصَلِّ الصُّبحَ، فقام فصلَّى الصُّبحَ، فقال: ما بيْنَ هذَيْنِ وقتٌ كلُّه)، فيكون أوّل وقت صلاة العشاء حسب ما جاء في الحديث الشّريف عند ذهاب الشّفق الأحمر، ويمتدّ وقته إلى رُبع الليل، وذهب فريقٌ من العلماء إلى أنّ آخر وقت العشاء ينتهي بذهاب ثُلُث الليل، وقال مالك وأصحاب أبي حنيفة أنّه يستمرّ إلى الفجر.
موسوعة موضوع