تقدم منا هذا الاسترالي ، ملوحا لنا بيده وهو يضحك ، فوقفنا لحظة لنعرف ماذا يريد منا هذا العملاق ، والذي ما ان اقترب منا حتى بدا واضحًا الفرق الحقيقي بين ساكني العزب الاسترالية الشاسعة ، وساكني الشقق المصرية الضيقة ، أو لنقل بين آكلي لحوم البقر الاسترالي المشوية بين المزارع ، وآكلي الفلافل المقلية في الزيت في شوراع شبرا ، فقد كان طويلًا وطوله يتجاوز المترين ، وعريضًا بما يملأ العينين ، ويملأ ملابسه أيضًا ، يملؤها حقا وليس كلامًا .
السلام : مد العملاق يده اليمنى لنا للسلام ، ولا يمكن في حالة عملقته هذه إلا أن تسلم عليه ، وتكيل له جل آيات الشكر والامتنان على أن تنازل ومد يده القوية ذات العضلات لكي يسلم علينا ، وينزل عصر في أيدينا الضعيفة .
وقال لنا أن اسمه جاك ، والحقيقة أنه كان يجب أن يكون جاكا، فعلا لأن جاك بالانجليزية ، تعني رافعة ، حتى ضحكت في سري على الاسم ، وهممت أن أسأله والقافية تحكم ، حضرتك ترفع كام طن ، لكنى تراجعت بالطبع ، فالجبن سيد الأخلاق ، وحتى لا أكون أنا وزميلي من ضحايا سقوط ذراع تلك الرافعة الضخمة على رؤوسنا ، والذي يمكنه أن يلقينا على مرمي البصر ، والشوارع منحدرة والإسفلت لن يرحم بشرة جلودنا المصرية الرقيقة .
نقاش مع العملاق : ولكن ابتسم جاك ابتسامة كانت مطمئنة بالفعل ، فكل ما كان يريده منا هو التعرف علينا فقط ، كغرباء يتجولون في شوارع البلد ، وقد بدا ودودا معنا ، وتجاذب معنا أطراف الحديث ، واتضح أنه من الخارج مخيف ورهيب ، ومن الداخل أبيض كما اللبن الحليب ، والمظاهر خادعة كثير من الأحيان ، وقد سألنا عن البلد أعجبنا هدوءه ، الذي يقلقه هو شخصيًا : عملاق ولا يثق في نفسه ..
وقال أنه لا يحب الهدوء ، وقد كان يتمنى أن يسكن في سيدني أو ميلبورن ، فهو من عشاق المدن الكبيرة المزدحمة ، ، فقلت له أنه ممكن أن يأتي إلى القاهرة حتى يجد ما يسره من الزحام ، ومن التلوث كذلك الذي لم يجده في استراليا في أكبر المدن ، وربما يغير من وجهة نظره تماما عن الزحام بعد الزيارة القاهرية ، وقد يحمد الله على تلك النعمة التي يعيش فيها ولا يشعر بقيمتها .
إطالة الحديث : ظللنا نتحدث معه لمدة تزيد عن ساعة ، ويبدو أن هذا الاسترالي لا يشعر بقيمة الوقت ، على غير معلومتنا عن الانجليز وأحفادهم رعاة التاج البريطاني ، فقد ظل يتحدث معنا في كل شيء ، ولم نستطيع الفكاك منه إلا بصعوبة ، وكنا كلما هممنا بأن نقول له فرصة سعيدة ، لننصرف بعد أن أصابنا بالصداع ، كان يفتح معنا موضوعًا جديدًا ، حتى علقت له على جملة قالها لنا ، كانت فصل الخطاب بيننا وبينه ، وتخلصنا منه بشق الأنفس .
نساء للمتعة : كنت من محدثي السفر بالطبع ، وأتكلم على سجيتي وكأنني في مصر ، وكان زميلي يسبقني بأكثر من عشر سنوات ، حتى تطرق الاسترالي في حديثه إلى حياة البحارة على السفن ، وكيف أنهم بعيدون عن الحياة العائلية والنساء ، لفترات ليست بالقصيرة ، سواء من كان منهم متزوجا أو أعزب مثلي في تلك الأيام .
وفي استراليا لا يفرقون بين الزواج أو عدمه في تلك الأشياء ، حتى انطلق صاحبنا الذي ظننته عملاقاً ، ليقول لنا إنه من الممكن أن يدلنا على مكان توجد به نساء للمتعة ، وهنا انطلقت أنا وقلت له بالانجليزية أن هذا غير مقبول أخلاقيًا ونحن مسلمون ، وبما معناه أننا مسلمون لا نفعل ذلك خارج نطاق الزواج ، وهنا أتتني ضربة على قدمى من حذاء زميلي ، حتى لا نضيع في خبر كان ، بعدما عرف الاسترالي العملاق أننا مسلمون .
عملاق استرالي وحاجه تكسف : وانصرفنا غير آسفين على هذا الاسترالي ، حتى قال زميلي ناصحاً لا تتسرع بإعلان أنك مسلم في تلك البلاد ، فمن الممكن أن يكون من تتحدث معه يهوديا ً ، فنذهب في خبر كان ، ولكني أيقنت أن ديانة هذا الاسترالي لا تفرق معه كثيرا ، لأن من يعمل في مهنته ، لم يكن غيور على دينه فكما هو واضح أنه عملاق استرالي ولكن حاجه تكسف !!.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) لفهم كيفية استخدامك لموقعنا ولتحسين تجربتك. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط.