المحتوى

ما هو الحكم الشرعي لتنظيم النسل؟

الكاتب: يزن النابلسي -

ما هو الحكم الشرعي لتنظيم النسل؟

 

الْحَمْدُ للهِ
 
تَدُلُّ الْأَدِلَّةُ الشَّرْعِيَّةُ عَلى جَوازِ تَأْجيلِ الْإِنْجابِ وَالْحَمْلِ، كَما جاءَ في قَوْلِ جابِرٍ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما: "كُنَّا نَعْزِلُ والْقُرْآنُ يَنْزِلُ" رَوَاهُ الْبُخارِيُّ (5208)، وَمُسْلِمُ (1440) والْعَزْلُ هُوَ أَنْ يَقْذِفَ الرَّجُلُ الْمَنْيَ خارِجَ رَحِمِ الْمَرْأَةِ، رَغْبَةً في اجْتِنابِ الْإِنْجابِ. فَإِذا كانَتِ الذُّرِّيَّةُ كَثيرَةً، ويَشِقُّ عَلى الزَّوْجَةِ تَرْبِيَةُ أَوْلادِها تَرْبِيَةً إِسْلامِيِّةً لِكَثْرَةِ عَدَدِهِمْ، فَيُباحُ أَخْذُ ما يُنَظِّمُ الحَمْلَ صِيانَةً لِلْمَصْلَحَةِ الظّاهِرَةِ.
 
إِذًا فَمُحاوَلَةُ تَأْخيرِ الْحَمْلِ في الْأَصْلِ جائِزَةٌ، إِذْ لَمْ يَنْهَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّحابَةَ رِضْوانُ اللهِ عَلَيْهِمْ عَنِ الْعَزلِ، وَلَكِنَّ الشَّرْعَ رَغَّبَ في كَثْرَةِ الْأَوْلادِ وَرَغَّبَ في الزَّواجِ من الْمَرْأَةِ الْوَلودِ (كَثيرَةِ الْوِلادَةِ)، قال النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تَزَوَّجوا الْوَدودَ الْوَلُودَ فَإِنِّي مُكاثِرٌ بِكُمُ الْأُمَمَ" رَواهُ أَبو داود (2050) وَهُوَ حَديثٌ صَحيحٌ كَما في إِرْواءِ الْغَليلِ 1784، وَإِذا كانَتِ النِّيَّةُ مِنَ الزَّواجِ تَحْصيلُ الْوَلَدِ وَتَكثِيرُ الأَمَّةِ الّتي يُباهي بِها النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَنْبِياءَ وَالرُّسُلَ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَإِنَّها مِمَّا يُتَقَرَّبُ بِهِ مِنَ اللهِ سُبْحانَهُ إِذا كانَتِ النِّيَّةُ حَسَنَةً. وَلَعلَّ اللهَ أَنْ يَرْزُقَهُ وَلَدًا صالِحًا يَدْعُو لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ فَيَنْتَفِعُ بِهِ.
 
وَمِنَ الْحالاتِ الّتي يُمْنَعُ فيها مِنَ تَأْجيلِ الْإِنْجابِ:
 
أَوَّلًا: إِذا صار قَرارُ تَأْخيرِ الْحَمْلِ قَرارًا مُجْتَمَعِيًّا عَلَى مُستَوى  الْبِلادِ فَإِنَّهُ سَيُسَبِّبُ الْفَسَادَ والدَّمارَ وَسَيُؤَثِّرُ تَأْثيرًا مَذْمومًا فَيُمْنَعُ التَّأْجيلُ في هذِهِ الْحالِ.
 
ثانِيًا: إِذا كان تَأْخيرُ الْحَمْلِ لِلْخَوْفِ مِنَ الْفَقْرِ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ لِمَا فيهِ من سوءِ الظَّنِّ بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ الّذي تَكَفَّلَ بِرِزْقِهِمْ وَلِأَنَّ فيه مُنافاةَ التَّوَكُّلِ عَليْهِ سُبْحانَهُ وَلِمَا فيهِ من ضَعْفِ الإِيمانِ بالْقَضاءِ وَالْقَدَرِ الّتي هي رَكيزةٌ وَأَساسٌ في عَقيدَةِ الْمُسْلِمينَ قالَ تَعالى: "وَمَا ‌مِن ‌دَآبَّةٖ فِي ٱلأَرۡضِ إِلَّا عَلَى ٱللَّهِ رِزقُهَا" [هود: 6] وَقالَ سُبْحانَهُ: "إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلرَّزَّاقُ ذُو ٱلقُوَّةِ ‌ٱلمَتِينُ" [الذاريات: 58] وَوَبَّخَ اللهُ أَهْلَ الْجاهِلِيَّةِ بِقَتْلِهِمْ أَوْلادَهُمْ خَشْيَةَ الْفَقْرِ قالَ تَعالى: "وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً" [الإسراء: 31]، فَيَنْبَغي التَّوَكُلُ عَلى الله في كُلِّ الشُّؤونِ "وَعَلَى ٱللَّهِ ‌فَتَوَكَّلُوٓاْ إِن كُنتُم مُّؤمِنِينَ" [المائدة: 23].
 
ثالِثًا: إِذا كانَ تَأْخيرُ الْحَمْلِ لِشِقاقٍ وَنِزاعٍ بين الزَّوْجَيْنِ بِحَيْثُ يَكُونُ الرَّفْضُ مِنْ أَحَدِهِما دُونَ الْآخَرِ وَبِلا عُذْرٍ، فَإِنَّ الرّافِضَ عِنْدَها يَعْتَدي عَلَى حَقِّ الْآخَرِ لِأَنَّ الإِنْجابَ مِنْ مَقاصِدِ الزَّواجِ وُ هُوَ حَقٌّ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَلا يَصِحُّ لِلزَّوْجِ أَنْ يَمْنَعَ زَوْجَتَهُ مِنْ رَغْبَتِها في الْإِنْجابِ، وبِناءً عَلَيْهِ قَرَّرَ الْفُقَهاءُ أَلا يَعْزِلَ -سَبَقَ بَيانُ مَعْناهُ في الْمٌقَدِّمَةِ- الرَّجُلُ عَنْ زَوْجَتِهِ إلّا بِإِذْنِها.
 
رابِعًا: إِذا كانَ السَّبَبُ في تَأْخيرِ الْحَمْلِ أَوْ قَطْعِهُ هُوَ الِافْتِتانُ بِحَضارَةِ غَيْرِ الْمُسْلِمينَ وَتَقْليدِهِم إِعْجابًا بثَقافَتِهِمْ وَمَعيشَتِهِمْ فَيُمْنَعُ مِنْهُ، فلا بُدَّ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَكونَ واعِيًا مُسْتَقِلًّا يُوازِنُ بَيْنَ الْمَصالِحِ وَالْمَفاسِدِ، مُنْبَعِثًا مِنْ اُصولِ دينِهِ الْعَظيمِ الّذي نَشَأَ وَتَرَبّى عَلَيْهِ، فَلا يَنْهَزِمُ لِلتَّأثير النَّفْسِيِّ الّذي تَبُثُّهُ الْوَسائِلُ الْإِعْلامِيَّةُ.
 
خامِسًا: إِذا كانَ تَأْخيرُ الْحَمْلِ يُتَوَصَّلُ إِلَيْهِ بِدَواءٍ أَوْ بِعَمَلِيَّةٍ تَقْطَعُ النَّسْلَ بِالْكُلِّيَّةِ -ما يُسَمّى بِالتَّعْقيمِ- فَتَذْهَبُ قُدْرَةُ الرَّجُلِ أَوْ زَوْجَتِهِ عَلَى الْإِنْجابِ إِلى الْأَبَدِ، فَإِنَّهُ مِنَ الِاعْتِداءِ عَلى نِعَمِ اللهِ سُبْحانَهُ وَبِهِ تُعَطَّلُ مَنْفَعَةٌ عَظيمَةٌ مَقْصودَةٌ أَوْدَعَها اللهُ في عِبادِهِ لِحِكْمَةٍ بالِغَةٍ. وَهذا مِمّا نَهى عنْهُ الرَّسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ عُدْوانٌ كامِلٌ على إِحْدَى الضَّروراتِ الْخَمْسِ -وَهِيَ الدّينُ وَالنَّفْسُ والْعِرْضُ والْمالُ والنَّسْلُ- الَّتي أَمَرَ الشّارِعُ الْحَكيمُ بِرِعايَتِها وحِفْظِها.
 
فَهَذِهِ الْحالاتُ الْخَمْسُ الّتي يَذْكُرُها الْعُلَماءُ عِنْدَ تَناوُلِ مَوْضوعِ تَنْظيمِ النَّسْلِ أَوْ تَحْديدِهِ، وَهِيَ مِمّا حَمَلَهُم عَلَى تَشْديدِ عِباراتِهِمْ في أَحْيانٍ كَثيرةٍ حَتَّى لا تُسْتَعْمَلَ فَتْوى الْإِباحَةِ في غَيْرِ مَوْضِعِها الْمُناسِبِ. لِذا ذُكِرَتْ كَيْ تُؤْخَذَ بِعَيْنِ الِاعْتِبارِ، وَما عَدا ذلك مِمّا يَتَّفِقُ عَلَيْهِ الزَّوْجَانِ لِحاجَةٍ مُعْتَبَرَةٍ، فلا حَرَجَ في ذَلِكَ إِنْ شاءَ اللهُ تعالى.
 
وَاللهُ أَعْلَمُ.
 
الْمَرْجِعُ: مَوْقِعُ إسلام سؤال وجواب
 
شارك المقالة:
24 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook