من أولويات العمل الخيري

الكاتب: المدير -
من أولويات العمل الخيري
"من أولويات العمل الخيري

 

لا شك في أن فقه الأولويات هو الضابط لكل الأعمال الدينية والدنيوية، المالية والبدنية، المادية والمعنوية... أيهما يُقدَّم وأيهما يُؤخَّر، على أساس معايير شرعية صحيحة، يهدي إليها نور الوحي.

 

ومن هذه الأولويات:

1 - أولوية تشغيل العاطلين القادرين على الإعطاء:

لا شك أن عددًا كثيرًا من المستفيدين من لجان الزكاة والجمعيات الخيرية قادر على العمل في الحياة، ولو وُجِّه هذا العدد توجيهًا سليمًا إلى العمل الصالح المناسب، وتمَّ بالفعل تشغيله لكان خيرًا لأصحابه في الدنيا والآخرة، وكان خيرًا وبركة للأمة الإسلامية.

 

وتشغيل العاطلين القادرين على العمل في العصر الحاضر يحتاج إلى دعوة مكثفة من خلال المساجد والمدارس والمعاهد والمراكز والإعلام... تبين لهم أهمية العمل، وترغِّب فيه، وتبين فوائده، وتحذر من البطالة والمسألة، وتبين أضرارها في الدنيا والآخرة.

 

2 - تقديم العلم على كل شيء:

لا خلاف في أن أول آيات نزلت، قد جاءت بأول دعوة جاء بها القرآن الكريم، ألا وهي الدعوة إلى العلم: ? اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ? [العلق: 1 - 5].

 

ومما يؤكد تفضيل العلم على العبادة أن منفعة العبادة للعابد، بينما منفعة العلم للناس، كما أخبر بذلك سيد الخلق صلى الله عليه وسلم.

 

كما في قوله صلى الله عليه وسلم: «فضل العلم أحب إليَّ من فضل العبادة، وخير دينكم الورع»[1].

 

وقوله صلى الله عليه وسلم: «فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم»[2].

وإنما كان العلم مقدمًا على العمل، لأنه هو الذي يميز الحق من الباطل في الاعتقادات، والصواب من الخطأ في المقولات، والمسنون من المبتدع في العبادات، والصحيح من الفاسد في المعاملات، والحلال من الحرام في التصرفات، والفضيلة من الرذيلة في الأخلاق، والمقبول من المردود في المعايير.

 

3 - تقديم العمل الدائم على العمل المنقطع:

ومن أهم الأمور التي ينبغي التركيز عليها في العمل الخيري: الاهتمام بالعمل الدائم الذي يُدر دخلًا دائمًا يوميًا أو أسبوعيًا أو شهريًا على الفقراء والمحتاجين بدلًا من التصدق عليهم بالعطاءات والأموال التي قد تقل وتنقطع أحيانًا.

 

وفي إمكان الجمعيات الخيرية في العصر الحاضر القيام إنشاء المصانع والمشاغل والمخابز والمطاعم والمطابع ودور الطباعة والنشر والمعارض الخيرية، وتشغيل القادرين من الفقراء والأرامل بأجور يومية أو شهرية حسبما ترى كل جمعية خيرية.

 

والناظر في السنة النبوية الشريفة يجد أحاديث تعطي أولوية للعمل الدائم - وإن قلَّ - على العمل المنقطع.

 

4 - تقديم العمل المتعدِّي على القاصر:

ومن أهم الأمور التي ينبغي أن تراعى في العمل الخيري، وتُقدم شرعًا على غيرها من الأعمال «تقديم العمل الأكثر نفعًا على غيره»، لأنه على قدر المنفعة للآخرين يكون الأجر من الله سبحانه وتعالى أولًا ثم ارتقاء المجتمع، وقوة الأمة وترابطها وتقدمها.

 

قال صلى الله عليه وسلم: «أَحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله تعالى سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عه كربة، أو تقضي عنه دينًا أو تطرد عنه جوعًا، ولأن أمشي مع أخ في حاجة أحب إليَّ من أن أعتكف في هذا المسجد يعني مسجد المدينة شهرًا»[3].

 

وعلى رأس الأعمال المتعدِّية النفع التي ينبغي أن تحظى بالاهتمام - إنشاء ورعاية -:

1 - الدعوة إلى الله عز وجل: بأن ينفق عليها وعلى القائمين بها ومؤسساتها ووسائلها.

قال صلى الله عليه وسلم: «من دعا إلى هُدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا»[4].

 

2 - تعليم القرآن الكريم: بأن ينفق على برامج تعليمه، وعلى شيوخه وطلابه ودوره ومسابقاته.

قال صلى الله عليه وسلم: «خيركم من تعلم القرآن وعلمه»[5].

 

3 - قضاء الدَّين المطالب به:

قال صلى الله عليه وسلم: «من أحب أن يُظله الله في ظله فلينظر معسرًا أو ليضع عنه»[6].

 

فبدلًا من أن تقدم الجمعيات الخيرية للفقراء والمساكين العطاءات المتنوعة المكلفة ماديًا ومعنويًا، والمساعدات المالية - وكل ذلك سرعان ما ينتهي - أولى بها أن تُقدم لهم ما هو أطول نفعًا، وأبقى أثرًا مما يمكن أن يُدر عليهم ما ينفعهم الله تعالى به سنين عددًا.

 

قال صلى الله عليه وسلم: «أفضل الصدقات ظل فسطاط في سبيل الله ومنيحة خادم في سبيل الله أو طروقة فحل في سبيل الله».

 

ومن الأمثلة الصحيحة: بدل أن تهدي إلى الفقير أكلة من السمك، أهدِ له شبكة يصطاد بها السمك إذا كان قادرًا على ذلك، أو تحت رعايته من يقوم بذلك.

 

وكذلك من الأعمال الأطول نفعًا والأبقى أثرًا التي يمكن للجمعيات الخيرية تقديمها للفقراء: توزيع الإبل والبقر والغنم، وكل ما يدرُّ عليهم من لبنها لهم ولعيالهم كذلك توزيع الطيور والخيول، وماكينات الغزل والنسيج، والسيارات الصغيرة الحديثة، وأدوات المطاعم... إلخ.

 

ولا شك أن العائد على الفقراء من هذه الأعمال أفضل وأكثر من العائد عليهم من أي عطاء أو مساعدة مادية مؤقتة من الجمعية الخيرية، كما أنها في كل ذلك إكرام للفقير، وإعفاف له من أن يمدَّ يديه للناس، أو يتعود على المسألة والإلحاف فيها.




[1] أخرجه البزار في مسنده برقم «2969»، وصحح الألباني إسناده في صحيح الجامع برقم «4214».

[2] أخرجه الترمذي في سننه برقم «2901»، وصحح الألباني إسناده في صحيح الجامع برقم «4213».

[3] سبق تخريجه.

[4] أخرجه مسلم، ح «2674».

[5] أخرجه البخاري، ح «2969».

[6] أخرجه الطبراني في المعجم الكبير برقم «15707» وصحح الألباني إسناده في صحيح الترغيب والترهيب برقم «901».


"
شارك المقالة:
30 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook