عبّاس محمود العقّاد، هو أديب، وشاعر، وناقد أدبيّ، كما أنّهُ فيلسوف، وسياسيّ، وصحفيّ، ومُؤرِّخ، عُنِي بالأدب فذاع صيته فيه، وأصبح من الأعلام البارزة في الأدب العربيّ الحديث، وجعل العقّاد جُلّ حياته في أمور الدّين والسّياسة ففرّغ نفسه إليها، وكانت مُصنّفاته تتنوّع بين الفلسفة السّياسيّة، والاجتماعيّة، وفلسفة القرآن، كما تطرّق للسيّر الذّاتيّة للقادة المُسلمين الكِبار.
وُلد العقّاد في مِصر، في الثّامن والعشرين من شهر حُزيران من عام 1889م،[في إحدى البلدات النّائية من منطقة الصّعيد في أسوان تحديداً وعاش طفولته فيها، وفي شبابه كان يلوذ إليها، وفي كِبر سِنِّه ابتعادًا عن ضوضاء المدينة.
درس العقّاد في مرحلته الابتدائيّة بمدرسة أسوان الأميريّة، وفي عام 1903م حصل على شهادة فيها عندما كان في سِنِّ الرّابعة عشر، وكان والده يعتني به في الجانب الأدبيّ فكان يصحبه إلى الشّيخ والأديب أحمد الجّداويّ، وهو ممّن كانوا يأخذون العلم من السّيد جمال الدّين الأفغانيّ، فعَمَد العقّاد إلى الاستماع الدّائم للمُطارحات الشّعريّة التي يقولها الشّيخ، بالإضافة إلى مقامات الحريريّ التي كان يتناولها في مجلسه، ممّا جعل العقّاد مُطالعاً للكُتب الأدبيّة والكُتب القديمة الثّمينة.
ولم يخلُ طريقه الأدبيّ من الشِّعر كذلك، فذهب إلى نظمه وكان يتطرّق إلى مُطالعة المُصنّفات العربيّة والفرنجيّة، فأصبحت مداركه أوسع وأكثر زخماً، ولم يصحبه الملل أو الكلل في رحلته الأدبيّة هذه إنّما يبحث ويُطالع بنَهَم، وممّا نظمه وهو ابن العاشرة أبيات عُنيت بفضل العِلم، وهي كالتّالي:[٣] علم الحساب له مزايا جمّة وبه المرء يزيد في العرفان وكذلك الجغرافيا تهدي الفتى لمسالك البلدان والوديان وتعلم القرآن واذكر ربه فالنّفع كلّ النّفع في القرآن
وظيفة العقّاد
بعمل العقّاد بمهن مُختلفة ومنها الصّحافة، وكان أولّ عمله فيها في جريدة الدّستور لصاحبها الأستاذ وجدي، وبدأ بعد ذلك يكتب في صُحف أخرى مثل: المؤيّد، والأهالي، والأهرام، وكانت محاولته الأولى في هذا المجال وهو صغير في محافظة أسوان، فأصدر مجلّة بخطّ يده لكثرة اطّلاعه على العديد من المجلّات والصُّحف القديمة، مثل: مجلّة التّنكيت والتّبكيت، وعمد العقّاد إلى الاتّزان في كتابته.[ بعد انتهاء عمله في جريدة الدّستور انتقل العقاد إلى كتابة المقالات والمقامات، ومن المهن التي امتهنها هي عمله كموظّف حكوميّ في القسم الماليّ وتحديداً في مُديريّة الشّرقيّة، وكان يحرص على ادّخار بعض دخلِه ليُصدر صحيفة له تُباع للناس.
يُعدّ العقّاد أحد مؤسسي مدرسة الدّيوان التي عُنيت بالنّقد في العصر الحديث، كما أنّها أول الخطوات للتّجديد في الشِّعر العربيّ؛ وذلك لما عملت عليه من إظهار مفاهيم جديدة في الأدب، ومن الجدير بالذِّكر أنّ أول ظهور لهذه المدرسة كان عام 1909م، وسُمِّيت المدرسة بهذا الاسم نسبة إلى "كتاب الدّيوان" الذي ألّفه العقّاد والمازنيّ عام 1921م.
أنشأ العقّاد صالوناً أدبيّاً في بيته في أوائل الخمسينيّات، وكان المجلسُ يُدار كلّ يوم جُمعة بحضور مجموعة من المُفكِّرين، والفنانين المِصريّين من أصحاب الأدب البارز، وطُرح في مجلسه العديد من المواضيع منها: الأدب، والعلوم، والتّاريخ وغيرها، ومن أكثر هذه المواضيع إثارة للنقاش والجدل في مجلسه هي المواضيع التي تُعنى بدور المرأة المُسلمة في المجتمع، وكان العقّاد قد كتب ثلاثة كُتب في هذا الموضوع، وأشار إلى أهميّة حصول المرأة على حقّها في المشاركة في المجُتمع، وحقّها بحرية الفِكر كذلك، لذلك كان العقّاد يلقى احتراماً كبيراً من النِّساء.
يوجد للعقاد الكثير من المؤلفات، فقد نشر عام 1954م مجلّدين على شكل مجموعة لإحدى ترجماته في الأدب العالميّ، ومنها مجموعة من القصص القصيرة الأمريكيّة، ثمّ تولّى منصباً في المجلس المِصريّ للآداب والفنون، وفي عام 1958م نشر كتابه مُقدّمة شكسبير، وهو أحد كُتب النّقد الأدبيّ الحادية عشرة الخاصّة به، بالإضافة إلى نشره مجموعة أخرى مثل: إبليس، وحصل العقّاد على جائزة الدّولة التقديريّة في الآداب عام 1960م، ونُشرت آخر أعماله في عام 1963م، وذلك تحت عنوان"يوميّات"،[٥] وفيما يأتي أبرز مؤلفاته:
التفكير فريضة إسلاميّة يتحدّث العقّاد في هذا الكتاب حول الآيات التي تدعو الإنسان للتّفكُّر، وهي الآيات التي عظّمت من نِعمة العقل، باعتبارها وسيلة التّفكير عند الإنسان، ويُشير إلى أنّ العقل هو السّبيل الأفضل للرّجوع إليه ف
للعقّاد مجموعة كبيرة من المؤلّفات تُعنى بجوانب مُختلفة، وهي:
الاهتمام بالقائل قبل القول يرى العقّاد أنّ معرفة صاحب القول قبل القول أمر مهمّ، وغير مُنقصٍ لأهميّة القول، ويقول في ذلك: "لا أستطيع أن أفهم كلاماً حقّ فهمه إلّا إذا عرفتُ صاحبه، ووقفتُ على شيء من تاريخه وصفاته"، ويُشير كذلك إلى الخطأ الحاصل في الرّأي الذي يقول في النّظر إلى ما يُقال، وليس لمن قاله، فهو يُشير إلى أنّ معرفة القول لا يجعله مُستغنياً عن صاحبه، كما يُعلِّل العقّاد ذلك بأنّ المُفردة ومعناها تختلف تِبعاً لقائلها، وأنّ المُفردة التي تخرج من قائلها هي جزء منه، وما خرجت منه إلّا وهي تعكس وتدلُّ على شيء فيه، ويقول العقّاد في ذلك: "إذا أحببت أن تفهم كلمة فافهم المُتكلّم، لأنّها من معدنه أُخذت، وبميزانه تُعتبر وتُوزن"، ويستدلّ كذلك على رأيه بكُتب التّراجم والسِّير، والتي تُعنى بالحديث بإسهاب عن الشّخصيّة ثمّ ربطها بما يتعلّق منها من أقوال.
نظريّات العقّاد حول الشِّعر والشّاعر
يرى العقّاد أنّ الشِّعر عبارة عن مجموعة من الصّفات الخاصّة والمُنعكسة عن الشّاعر، وأنّه بذلك يُعتبر"مَلَكة إنسانيّة" لا تعبيريّة على حدّ وصفه، كما يُعرِّف العقّاد في كتابه خلاصة اليوميّة والشّذور أنّ الشعر: "فنّ توليد العواطف بواسطة الكلام"، ويُشير بذلك إلى أنّ العُنصر الأهمّ هي عاطفة الشّاعر التي يوصلها الكلام، أمّا عن الشّاعر فهو برأي العقّاد: "كُلُّ عارف بأساليب توليد الشِّعر من خلال هذه الواسطة"، ويقصد بالواسطة هُنا الكلام، ويرى كذلك أنّ الشّاعر هو من يستطيع التّعبير عن هذه الواسطة، ومن الجدير بالذِّكر أنّ العقّاد يُركِّز على ما يُفضي إلى عاطفة، دون القول، وذلك من باب أنّ ذات الشّاعر هي الأولى، وذاتهُ هُنا عاطفته، وكان هذا مبدأهُ الذي يواجه به الشّعراء، ويذكر كذلك مواصفات الشّاعر النّفسيّة، فيشهد لشاعريّة بعض الشُّعراء، ومنهم المُتنبي.
النظريّة الطّبيعة الفنيّة للعقّاد هي إحدى نظريّات العقّاد التي تُعنى بشخصية الشّاعر كذلك، فيرى في هذه المِيزة أنّها تجعل الشّاعر غارقاً في حياته، فيكون شِعره متوافقاً مع عالمه الخاصّ، فلا ينفصل منه ولا عنه، ويقول في هذه النّظريّة: "الإنسان الحيّ من الإنسان النّاظم، وأن يكون موضوع حياته هو موضوع شِعره، وموضوع شِعره هو موضوع حياته"، ويُلاحظ اهتمامه في هذه السِّمة من خلال عنايته الفائقة في اختيار الشّخصيّات التي أجرى دراساته عليها، وكان اختياره يعتمد على أكثر الشُّعراء اهتماماً بذواتهم في الشِّعر، وأكثرهم استطاعة للتّعبير عنها، ومن هذه الشّخصيّات: ابن الرّومي، وأبو نوّاس، والمعريّ، وغيرهم.
نظرية النّقد الصّحيح تُعنى هذه النّظريّة بالشّخصيّات، فيرى العقّاد فيها أنّ النّقد لا يُمكن أن يكون إلّا بمعرفة المنقود معرفة جيّدة، بل معرفة تُفضي إلى المُلازمة، ويهتمّ العقّاد في هذه النّظريّة بالنّاقد والمنقود معاً، فالنّاقد الذي يتعايش مع شخصية المنقود سيكون قادراً على معرفة جوانبه المختلفة، السّلبيّة منها، والإيجابيّة، ويبحث في كلّ الدّواعي التي آلت به ليصل إلى شِعره، فكأنّ النّاقد بفعله هذا قد دخل في شخصيّة المنقود وتقمّصها، وممّا يقول في أهميّة هذه النّظريّة: "فإذا حللت هذه البؤرة التي فيها، يتجمّع كلّ شيء في نفسه، آنذاك يُمكن أن يُقال أنّك نفذت في جوانب شاعرك، وأنّك على عِلم به".
تُوفّي العقّاد في الثّاني عشر من شهر آذار عام 1964م, عن عُمُر يُناهز الخامسة والسّبعين، ورحل تاركاً خلفه إرثاً أدبيّاً يُحيي ذِكراه، وتَدُلّ الرّاغبين في السّير على نهجه، ومن الجدير بالذكر أنّ العقّاد بقي عازباً في حياته ولم يتزوّج
موقع موضوع