الزراعة في منطقة تبوك في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
الزراعة في منطقة تبوك في المملكة العربية السعودية

الزراعة في منطقة تبوك في المملكة العربية السعودية.

 
أ - لمحة تاريخية:
 
تنوع النشاط الاقتصادي للسكان قديمًا تبعًا لتنوع مدن المنطقة ما بين مدن ساحلية وأخرى داخلية، فشمل الرعي، وصيد الأسماك، والتجارة والزراعة، وإن كانت الزراعة التقليدية هي السمة الغالبة للنشاط الاقتصادي في غالبية مدن منطقة تبوك وقراها؛ حيث تسود الحيازات الزراعية الصغيرة التي قد لا تتجاوز الهكتارين لكل مزارع، وقد كان المزارعون يعتمدون على الجهود الذاتية بمشاركة أفراد العائلة، وكان أهم أنواع الحبوب السائدة القمح، كما كان الاعتماد في سقيا المزروعات يتم بشكل كبير على مياه الآبار السطحية التي يقوم المزارعون بحفرها بأنفسهم بوساطة أدوات بدائية وبسيطة، كما كانوا يستخدمون الحيوانات مثل: الجمال والأبقار والحمير لاستخراج المياه من هذه الآبار، وتنقل المياه عبر قنوات تتفرع إلى قنوات أصغر تنتهي إلى الأرض الزراعية التي تكون في الغالب مقسمة إلى أحواض أو مشاعيب، ويعد ري الأحواض (الري بالغمر) من أهم أنماط الري الشائعة، وتتوقف مساحة الحوض على نوعية المحصول والتربة؛ فإذا كانت التربة رملية تكون مساحته صغيرة وإذا كانت طفلية أو طينية تكون مساحته كبيرة.
 
كانت الزراعة مبعثرة في الوديان القريبة من المدن والقرى كي تستفيد من المياه الجوفية القريبة إلى السطح في تلك الأمكنة، كما ساد النمط البستاني في بعض مدن المنطقة؛ حيث تتم زراعة الحبوب والخضراوات في أحواض تقع بين الأشجار، مثل: النخيل والرمان والحمضيات.
 
أما مدينة تيماء فقد كانت بلدة زراعية منذ القدم، إذ تبين الآثار المكتشفة فيها متمثلة في الآبار وقنوات الري القديمة أن لها نظامًا زراعيًا قديمًا، وقد ساعد على ذلك وفرة المياه السطحية والجوفية، وخصوبة التربة، واعتدال المناخ  . يقول عنها المقدسي في كتابه (أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم): " إن تيماء مدينة قديمة واسعة البقعة كثيرة النخيل، هائلة البساتين، غزيرة المياه "  
 
من جهة أخرى سادت في بعض مدن المنطقة؛ وبخاصة الساحلية منها، مثل: الوجه، وضباء، وحقل، وأملج، مهنة صيد الأسماك  ، إلا أنها كانت تمارس بطريقة بدائية، باستخدام القوارب الصغيرة في المياه العميقة، والشباك التقليدية في المياه الضحلة  
 
ب - أبرز التطورات:
 
مرت الزراعة في المنطقة بمراحل يمكن إيجازها في الآتي:
 
1 - المرحلة الأولى:
 
في مرحلة ما قبل توحيد المملكة، كانت الزراعة التقليدية السائدة التي تعتمد على الحيازات الفردية الصغيرة، والمياه الجوفية المستخرجة بالأدوات البدائية.
 
2 - المرحلة الثانية:
 
بعد توحيد المملكة، ونظرًا لأن معظم السكان من القبائل شبه المستقرة وسكان البادية الذين يعتمدون في حياتهم على التنقل والترحال بمواشيهم طلبًا للماء والكلأ، وكثيرًا ما كانت حياتهم عرضة لخطر المجاعات والأمراض، لذا عمد الملك عبدالعزيز - رحمه الله - إلى طرح مشروعه الرائد توطين البادية لإقامة الهجر والقرى والمراكز الحضرية، وهذا البرنامج أدى إلى تحويل قسم كبير من السكان إلى فئات منتجة مستقرة تمامًا تمارس الزراعة بشقيها: النباتي والحيواني، وذلك بفضل مشروعات هذا البرنامج التي من أبرزها: حفر الآبار لتوفير المياه الصالحة للشرب والزراعة، وإقامة المساكن، وتشييد المساجد، وشق الطرق بين القرى والهجر. كما شهدت هذه المرحلة برنامج إنعاش البادية وتوطينها؛ وذلك بعدما تعرضت مواطن البادية في شمال المملكة في أواخر عام 1379هـ / 1959م لموجة شديدة من الجفاف أدت إلى نضوب كثير من موارد المياه نتيجة لقلة الأمطار على تلك المناطق، حيث نتج عن هذا الوضع نفوق أعداد كبيرة من المواشي التي تقوم عليها حياة البادية، وهنا بادرت الحكومة باتخاذ السياسات الملائمة لمعالجة هذه الأوضاع؛ تمثل أبرزها في الآتي:
 
تقديم المساعدات العاجلة العينية والمادية، وإجراء دراسات ميدانية شاملة لأحوال السكان وأوضاع المياه والأراضي الصالحة للزراعة والمواقع الملائمة للرعي، وتحديد الأمكنة المناسبة لإقامة الهجر وتنفيذ برامج الإسكان والتوطين، وحفر مجموعة من آبار المياه في مواقع مختلفة لتأمين المياه الصالحة للشرب والزراعة، وتأمين مضخات المياه وشراء البذور والأدوية البيطرية، وتدعيم المنطقة بعدد من المرشدين الزراعيين، لإقامة عدد من المزارع الحكومية النموذجية.
 
3 - المرحلة الثالثة:
 
إنشاء المؤسسات والهيئات الداعمة للقطاع الزراعي، وفي مقدمتها مديرية الزراعة في المملكة 1369هـ / 1950م، التي قامت بجلب آلات الري الحديثة والجرارات والحراثات، وبدأ استخدام الآبار الارتوازية والمكائن الحديثة لاستخراج المياه، كما قدمت القروض المالية للمزارعين، ثم أُنشئ البنك الزراعي العربي السعودي 1381هـ / 1961م، كما شهدت هذه المرحلة بداية الخطط التنموية في المملكة؛ حيث طبقت الخطة الخمسية الأولى عام 1390هـ / 1970م، التي تم فيها تنفيذ عدد من مشروعات البنية الأساسية وفي مقدمتها الطرق التي كان لها الأثر الكبير في خدمة القطاع الزراعي وربط مناطق الإنتاج بمناطق الاستهلاك، كما أنشئ صندوق التنمية الصناعية السعودي 1394هـ / 1974م لتشجيع التصنيع في مختلف المجالات بما فيها التصنيع الزراعي مثل: صناعة تعبئة التمور، والألبان، والخضراوات، والفاكهة.
 
4 - المرحلة الرابعة:
 
شهدت منطقة تبوك نهضة زراعية متميزة نتيجة التشجيع والدعم الحكومي ووفرة الأراضي الزراعية الخصبة، فقامت عشرات المشروعات الزراعية  ، ويمكن إيجاز أهم هذه المشروعات في الآتي:
 
 76 مشروعًا لإنتاج القمح، يتجاوز إنتاجها 100 ألف طن سنويًا.
 
 6 مشروعات لإنتاج الفاكهة.
 
 6 مشروعات لتربية الأغنام والأبقار وتسمينها.
 
 8 مشروعات لإنتاج الدواجن والبيض.
 
كما أُنشئت مشروعات زراعية كبرى عبر شركات ذات رأس مال ضخم، من أهمها:
 
 مزارع أسترا: وهي تنتج الفواكه والخضراوات والأزهار والأغنام والطيور.
 
 شركة تبوك للتنمية الزراعية (تادكو): وهي تنتج القمح والشعير والفواكه والخضراوات.
 
 مشروع ألبان السّيرة: ينتج هذا المشروع الألبان من نحو ألف بقرة حلوب، حيث يتولى بسترتها وتصنيعها وتسويقها  . 
 
5 - المرحلة الخامسة:
 
وهي مرحلة التقييم والمراجعة وإعادة رسم السياسات والإستراتيجيات، وبخاصة بعد التوسع الكبير في المساحات المزروعة وظهور عدد من السلبيات التي صاحبت هذا التوسع والتي من أبرزها الاستنـزاف الهائل للثروة المائية القابلة للنضوب، ولذا سعت خطة التنمية الخامسة وما بعدها إلى تحديد أهداف جديدة لترشيد نمط الإنتاج، بحيث يتم استبدال المحصولات الحقلية التي تستهلك كميات كبيرة من المياه بمحصولات أخرى ذات قيمة أعلى واستهلاك للمياه أقل كإنتاج الخضراوات والفواكه  ذات الطلب المحلي العالي عن طريق البيوت المحمية، ولذا يمكن وصف أبرز سياسات تلك الخطط في هذه المرحلة بالآتي:
 
 تقليص الدعم الحكومي لمحصولات الحبوب، وبخاصة القمح.
 
 تشجيع إقامة المشروعات المتخصصة في إنتاج الخضراوات والفواكه.
 
 تقديم الخدمات البيطرية، وخدمات الإرشاد الزراعي، وتشغيل مراكز الأبحاث ومحطات التجارب، ما أسهم بشكل واضح في زيادة الإنتاج الحيواني وتطويره.
 
 تطبيق أساليب الزراعة والري الحديثة.
 
 تقديم القروض الزراعية وفق الأهداف المحددة في خطط التنمية بوساطة البنك الزراعي العربي السعودي.
 
 الإسهام في تحقيق التوازن البيئي من خلال المحافظة على الموارد الطبيعية، ومكافحة التصحر، والحفاظ على الغابات وتنميتها.
 
 تهيئة القطاع الزراعي للتعامل بمرونة وكفاءة مع التطورات والمستجدات المحلية والإقليمية والدولية.
 
ونتيجة لذلك فقد استمر القطاع الزراعي في النمو، وتزايدت نسبة إسهامه في الناتج المحلي الإجمالي من 1.5% عام 1394هـ / 1974م إلى 6.4% عام 1415هـ / 1994م  ،  كما حدث تغير في نوعية المحصول فتقلصت المساحة المزروعة بالقمح والشعير والحبوب الأخرى بنسبة 32.6%، و 69.9%، و 34.7% على التوالي، في الوقت الذي زادت فيه المساحات المزروعة بالخضراوات والفواكه بنسبة 23.9%، و 28.8% على التوالي، خلال خطة التنمية السادسة 1415 - 1420هـ / 1994 - 1999م   على مستوى المملكة. أما على مستوى منطقة تبوك، فقد زادت المساحة المزروعة بالحبوب من 23461 هكتارًا عام 1422هـ / 2001م إلى 31302 هكتار فقط عام 1426هـ / 2005م، كما يوضح (جدول 3) ، وتقلصت المساحة المزروعة بالأعلاف من 13685 هكتارًا عام 1422هـ / 2001م، إلى 8770 هكتارًا عام 1426هـ / 2005م، كما زادت المساحة المزروعة بالمحصولات الدائمة (تمور، وموالح، وعنب، وفواكه) من 11625هكتارًا عام 1422هـ / 2001م، إلى 11870 هكتارًا عام 1426هـ / 2005م، كما زادت المساحة المزروعة بالخضراوات من 2485 هكتارًا عام 1422هـ / 2001م إلى 3517 هكتارًا عام 1426هـ / 2005م
 
ج - الوضع الحالي ودوره في اقتصاد المنطقة:
 
تشهد منطقة تبوك نهضة رائدة في مجالات الإنتاج الزراعي والحيواني جميعها، حيث انتقلت من مرحلة الاكتفاء الذاتي إلى مرحلة تصدير الفائض من محصولات القمح والتمور والدواجن والبيض والخضراوات والألبان ومشتقاتها والأسماك.
 
وقد انفردت منطقة تبوك بإنتاج الورود  ، حتى أصبح إنتاجها من الورود يصدر إلى دول خارج النطاق الإقليمي؛ فقد وصل إلى هولندا والدنمارك وإنجلترا وغالبية الدول الأوروبية، كما يتم إنتاج العسل بكميات تجارية في مزارع نموذجية، واستطاعت مزارع أسترا تغطية حاجة السوق السعودي من طائر السمان. بالإضافة إلى إنتاج الشمام، والطماطم، والبطاطس، والخيار، والعنب، والبصل، والموالح، وكثير من المنتجات الزراعية والحيوانية التي يتم تسويقها في مناطق المملكة ودول الخليج؛ وأصبحت المنطقة من أهم مناطق المملكة في الإنتاج الزراعي، حيث زادت أعداد أشجار الفاكهة في المنطقة عن 1600000 شجرة موزعة على النحو الآتي:
 
 مزارع أسترا 500.000 شجرة.
 
 شركة تبوك للتنمية الزراعية (تادكو)   700.000 شجرة.
 
 مزارع فردية 400.000 شجرة.
 
والجدير بالذكر أن عدد المشروعات الزراعية في منطقة تبوك بلغ أكثر من 350 مشروعًا زراعيًا، تتنوع بين مشروعات إنتاج زراعي ومشروعات إنتاج حيواني  
 
شارك المقالة:
406 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook