عهد الإمام فيصل بن تركي (الفترة الأولى) بالمنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية.
تولى الإمام فيصل بن تركي الحكم بعد مقتل والده. حيث لاقى ترحيبًا كبيرًا من الأهالي سرعان ما أيدته البلاد النجدية كلها من دون تردد، لما يملكه من صفات قيادية ناجحة، ولما يعرفه عنه أهل نجد من الحكمة والتدين وحسن الخلق استطاع من خلالها استقطاب أهالي المنطقة الشرقية وتأييدهم له عندما بعث إليهم عبدالله بن بتال أميرًا على الأحساء قاعدة المنطقة. ولا شك أن هذا التأييد الذي لقيه الإمام فيصل، والتفاف الأهالي حوله يعكس مدى ارتياحهم للحكم السعودي.
من أولى المهمات التي عُني بها الإمام فيصل بعد توليه الحكم توجيهه رسالة عامة إلى السكان في البلاد التي تضمها دولته في هذه الفترة وهي: بلاد نجد والمنطقة الشرقية، حثهم فيها على التقوى والتمسك بأركان الدين الحنيف، وأمر بتنظيم هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وطلب من أمراء البلدان أن يساعدوا هذه الهيئة في عملها، كما حث الناس على الوحدة والتعاضد
اهتم الإمام فيصل بإمارات المناطق وأمور القضاء في الأقاليم وأقر أمراء الأقاليم والقضاة في عهد والده فكان من بين هؤلاء الأمراء عمر بن محمد بن عفيصان أمير الأحساء ونواحيه، وكذلك عبدالله بن غانم أمير القطيف ونواحيها. كما كان من بين قضاة الإمام تركي الذين أقرهم الإمام فيصل قاضي الأحساء ونواحيه الشيخ عبدالله الوهيبي، إذ استمر في منصبه هذا حتى توفي، وكان عالمًا كريمًا سخيًا. كما أقر الإمام فيصل الشيخ محمود الفارسي القاضي على القطيف في هذا المنصب
لقد أولى الإمام فيصل بن تركي المنطقة الشرقية عناية خاصة، فكان شغله الشاغل هو توطيد الأمن فيها، وبخاصة في القطيف وسيهات. فقد كان أدرى من غيره بالوضع الأمني، ويعرف ظروف هذه المنطقة، وأن هناك قوى أخرى، منها: والي مصر وزعماء بعض إمارات الخليج، لها مصلحة في زعزعة الأمن في المنطقة الشرقية أملاً في الحصول على مكاسب حيوية هناك.
لقد تعامل الإمام فيصل بما يمليه عليه واجبه تجاه استقرار هذه المنطقة المهمة من بلاده، وبما يضمن الأمن والاستقرار لسكانها. فبعث حملة إلى تلك المنطقة بقيادة زويد أحد مواليه؛ وهو أحد قادته المشهورين، وإذ تمكن من إعادة الأمن إلى هذا الإقليم. فكانت النتيجة العاجلة هي وصول وفد برئاسة ابن أمير القطيف عبدالله بن غانم وأمير سيهات علي بن عبدالرحيم مع وفد من أهل المنطقة وإعلانهم الولاء للإمام فيصل. وفي الوقت نفسه كان الإمام قد قام بحملة على رأس قواته من العارض والخرج والفرع والأفلاج ووادي الدواسر والقصيم وجبل شمر والوشم وسدير لتأديب بعض القبائل المقيمة في الدهناء على أطراف المنطقة الشرقية؛ بسبب امتناعهم عن دفع الزكاة عام 1251هـ / 1835م، وقد نـزل في روضة التنهات، وأقام فيها أكثر من شهرين، حيث وفد عليه هناك رؤساء البادية، فبعث معهم عمالاً لقبض الزكاة
في هذا الوقت الذي قويت فيه شوكة الإمام فيصل، واستطاع بناء الدولة السعودية الثانية، ومد نفوذها إلى بعض المناطق التي كانت تحكمها الدولة السعودية الأولى ثارت ثائرة محمد علي باشا الذي خضعت له معظم أنحاء الجزيرة العربية وبلاد الشام والسودان، ومد نفوذه إلى سواحل الخليج العربي. وبذلك أصبحت المنطقة الشرقية من الجزيرة العربية محور الاهتمام لكل من محمد علي باشا والإمام فيصل. كان يكفي والي مصر خضوع الإمام فيصل له سياسيًا وإداريًا. ولتحقيق هذا الهدف بعث محمد علي باشا دوسري بن عبدالوهاب أبونقطة يطلب من الإمام فيصل خراجًا ومطالب أخرى . فما كان من الإمام فيصل إلا أن أرسل أخاه جلوي بهدية إلى والي الحجاز كان الهدف من ورائها ثني والي مصر عن إرسال حملة ضده، لكن هذه الوساطة لم تنجح.
أدرك الإمام فيصل أن الحكمة تقتضي ترك العاصمة حقنًا للدماء وتحينًا لفرصة أفضل، فتوجه إلى الخرج ومنها إلى الأحساء، حيث أقام في الرقيقة، وهناك جاءه عمر بن عفيصان ورؤساء أهل الأحساء، وبايعوه على مناصرته والوقوف إلى جانبه. كان ابن عفيصان يقيم في قصر الكوت بوصفه أمير الأحساء فأخلاه ليترك المجال للإمام فيصل وعائلته وأتباعه. وعلى الرغم من الحفاوة التي لقيها الإمام فيصل في الأحساء، قاعدة المنطقة الشرقية إلا أنه لم ينس واجبه تجاه وطنه وعاصمة بلاده، فأخذ ينظم قواته، ويرسم الخطط للعودة إلى الرياض، حيث جمع جيشًا من قبائل مطير والعجمان وسبيع والسهول بالإضافة إلى أعوانه من أهل الأحساء مستفيدًا من كره الأهالي لحكم والي مصر
خلال هذه الفترة خضع بعض بلاد نجد للأمير خالد بن سعود إلا أن سلطته كانت اسمية فقط، حيث اختاره والي مصر محمد علي باشا ليعمل باسمه. ولذلك لم تعترف به بلاد جنوبي نجد التي رفضت الخضوع له إلا إذا حكم البلاد باسم آل سعود وليس باسم والي مصر . فكان طبيعيًا أن تحصل مجابهة بين الطرفين انتهت بانتصار أهل البلاد وفرار خالد بن سعود إلى الرياض والتحصن بها، وذلك في معركة الحلوة في ربيع الأول 1253هـ / 1837م. وفي هذا الوقت كان الإمام فيصل يراقب الموقف من مقر إقامته في الأحساء، وعندما علم بهذه التطورات تشجع وسار على رأس قواته من الأحساء قاصدًا بلاد نجد، وطلب من أهل الأحساء الخروج معه في هذه الحملة إلى الدلم، وهناك تقابل مع قوات خالد بن سعود الذي خرج من الرياض لملاقاته، فكانت الهزيمة من نصيب خالد بن سعود؛ ما مهد الطريق أمام الإمام فيصل للتوجه إلى الرياض ومحاصرتها في أول شهر جمادى الآخرة عام 1253هـ الموافق 7 سبتمبر 1837م. وقد بذلت قوات الإمام فيصل كل ما في وسعها لكي تستسلم المدينة حتى إنهم أقاموا السلالم للتسلق على أسوارها والنـزول إلى المدينة، لكن قوات خالد بن سعود المدعومة بقوات محمد علي بقيادة إسماعيل بك قاومت الحصار حتى وصلتهم الإمدادات؛ ما صَعّب الموقف على قوات الإمام فيصل. وبعد نحو شهرين أدرك الإمام فيصل صعوبة استسلام المدينة أو اقتحامها، ففضل فك الحصار في الثاني عشر من شهر شعبان من السنة نفسها. ثم جرت مفاوضات بين الطرفين لإنهاء الأزمة، لكنها فشلت؛ لأن خالد بن سعود يريد إمارة نجد، وأن يكون فيصل أميرًا على الأحساء والأقاليم الشرقية؛ وهو أمر لم يوافق عليه الإمام فيصل
تمركز الإمام فيصل مع قواته في جنوبي نجد متخذًا من بلدة الدلم مقرًا له، وفي الوقت نفسه كان نفوذه في الأحساء ما زال قويًا، إذ طلب من عمر بن عفيصان المسير إلى الأحساء مع قوة من الجند لحفظ الأمن هناك، بل إن نفوذه امتد إلى بعض نواحي الخليج العربي، والدليل على ذلك أنه طلب من حمد بن يحيى بن غيهب الذهاب إلى جهات عُمان وأمره أن ينظر في الثغور والقصور